م / عباس محمود يكتب : أنا والأنبا بيموا قصة للأجيال

كانت زيارة مساجد آل البيت وكذلك الأديرة وحضور الموالد الخاصة بهم هى أحدى اهتماماتى لإيمانى أنها أماكن طاهرة وبها ينمو الأحساس بالمشاعر الروحانية. وفى عام 1978 كنت فى مدينة الأقصر أقوم بعمل تطوير مطار الأقصر ونما إلى علمى وجود أحد الأديرة بجوار قرية تسمى الرزيقات تابعة لمدينة أرمنت والتى تقع حوالى 60 كيلومتر جنوب الأقصر وهو دير الشهيد العظيم مارجرجس وعلمت أنه يقام احتفال المولد الخاص به فى النصف الأول من شهر نوفمبر، وقررت القيام بزيارة الدير خلال احتفالات المولد. وتوجهت فى ذلك اليوم إلى مقر الدير وهالنى العدد الضخم من البشر الذين يحيطون بالمنطقة خارج أسوار الدير والتى تجمع بين مختلف الأعمار من الأطفال الصغار حتى كبار السن رجال ونساء مسلمين ومسيحين ولا تستطيع أن تفرق بينهم فهم نسيج واحد تجمعهم مصريتهم، ولاحظت أن معظم الزوار يفترشون الأرض ويبيتون فى العراء ويحاولون تجهيز الطعام بأنفسهم. وفى نهاية اليوم كان لدى صورة واضحة للموقف بالكامل وقررت أن أقوم بمحاولة قد تنجح وقد تفشل بتقديم شيء ما لهذه الجماهير بمختلف طبقاتها ومعتقداتها لأرفع عن كاهلهم بعض المعاناة التى يلاقونها. وتوجهت إلى داخل الدير وألتقيت بأحد شباب الرهبان وعرفته بنفسى وسألته عن المسئول عن هذا الدير فأخبرنى بأنه نيافة الأنبا بيموا – وكنت قد سمعت عنه كثيراً من مديرى فى ذلك الوقت المهندس رمسيس ويصا رحمة الله عليه – وطلبت أن ألقاه واعطيت للراهب الكارت الخاص بي وكتبت على ظهر الكارت “من طرف مهندس رمسيس ويصا” وانتظرت فى ساحة الدير وأنا أتجول وأشاهد منشآته العتيقة ولم يمر وقت طويل حتى عاد إلى الراهب الشاب وهو يقول لى أن نيافة الأنبا بيموا فى انتظارك، وعند دخولى إليه وجدت رجلاً أربعينياً تغطى وجهه أبتسامة كبيرة تنبأ بالترحيب والمحبة وكانت هذه البداية المشجعة هى مفتاحى للحديث وكان ينصت إلى بإهتمام شديد، وكان ملخص مطلبى هو أن نقوم بعمل بناء لا يتجاوز الثلاثة أدوار مقسم إلى حجرات وكل حجرة ملحق بها دورة مياه ومكان صغير لإعداد الطعام حتى نتجنب هذا العناء الذى يلاقيه الحضور للمولد أو فى أى مناسبة أخرى وبعد أن استمع إلى وأنا أندفع فى شرح هذا الخاطر أخبرنى بأنه لا توجد امكانيات كافية فأجبته مندفعاً أعطنى قطعة الأرض وأنا أتكفل بالباقى وسأقوم بجمع المال اللازم لإقامة هذا المشروع فأبتسم قائلاً أمامك الأرض وهى ملكية للدير تستطيع أن تختار المساحة المناسبة فأجبته بأننى سوف أبدأ من اليوم التالى فى جمع المال وبداية العمل وسأحضر فى خلال يومين لتخطيط الأرض وإعطاء نيافتك صورة مبدئية للمشروع على أن تكون الأولوية فى السكن فى هذه الغرف للأسر التى بها أطفال ونساء وتكون ضيافة من الدير بدون أى مقابل واستأذنت فى الخروج بعد أن منحنى وعداً بأنه سوف يبذل قصارى جهده لتسهيل كل العقبات. وبدأت من اليوم التالى فى اعداد كشفاً بأسماء كبار التجار فى الأقصر وكانت علاقتى بهم طيبة جداً والثقة متوفرة بينى وبينهم وقررت أن أبدأ بالمسلمين منهم وكنت أذهب إلى الواحد منهم وبعد التحيات أقول له “مطلوب منك تبرع” ولما يسأل “خير” أقول له لبناء مبنى فى دير الرزيقات بأرمنت وعندما يحاولون التملص كنت اضغط عليهم بأن جميعها بيوت الله وباختصار كنت أمارس عليهم كافة أنواع الضغط الأدبى والمعنوى ولا أقبل بأقل من خمسمائة جنيه – وكان هذا يعد أكثر من خمسين ألف جنيه فى الوقت الحالى – وانتهيت من عشرة أسماء من تجار الأسمنت ومواد البناء وقطع الغيار وكافة التجار ثم انتقلت إلى التجار المسيحين ومعى كشف التبرعات السابق ذكره وعندما اتحدث مع أحدهم فى هذا الموضوع فيعطينى على مضض مبلغ مائة جنيه فأفاجئه بالكشف معى والذى لا يوجد فيه أقل من خمسمائة جنيه وأقول له أن هذا الكشف سيوضع فى مدخل إيبراشية الأقصر وكافة الكنائس وسيرى الناس أن الأخوة المسلمين تبرعوا بمبلغ أكبر منك “وشوف بقى إللى ها يحصل لك” وطبعاً أنا فى غنى عن اخباركم بمفعول هذه اللعبة الخبيثة والتى أتت بأثار هائلة، وكانت المرحلة التالية أن توجهت إلى الدير وقابلت نيافة الأنبا بيموا واطلعته على ما يجرى ولم يعلق بأى كلمة ولكن نظراته كانت تقول الكثير. وبدأنا العمل حيث احضرت كافة العمالة المطلوبة وكان شرطى الوحيد أن أعطيهم الأجر اليومى على أن يكون تبرعهم ساعات عمل إضافية، وأما مواد البناء فكنت احصل عليها بعد حذف أى أرباح للتاجر أى بسعر التكلفة التى يتكلفها التاجر. وبعد ان انتشر هذا الموضوع قام الكثير من أبناء الأقصر والمدن والقرى المجاورة فى الإسهام بإرسال مواد بناء مثل البلاط والأدوات الصحية وأدوات الكهرباء وخلافه، وقد استغرق هذا العمل ما يقرب من السنة وكان فيه حوالى خمسة وسبعين وحدة فى الأدوار الثلاثة جاهزة للإستخدام فى مولد 1979.
أما علاقتى فقد توطدت بنيافة الأنبا بيموا وكنت أزوره فى مقره بالقاهرة بأحد شوارع ميدان صلاح الدين بمصر الجديدة وكذلك عندما انتقل من دير مارجرجس الرزيقات إلى دير مارجرجس الخطاطبة.
وهذه الأحداث توضح لنا أن العلاقة ما بين بسطاء الشعب لا يمكن للمؤامرات التى تحاك لها أن تنجح فى التفرقة بين جناحى مصر.
وبالنسبة لعلاقتى الخاصة بنيافة الأنبا بيموا فهى تحتاج إلى المزيد من الكتابات وإلى لقاء قريب