م .عباس محمود يكتب : لو كنتوا نسيتوا

أعتذر عن الأحاديث الخاصة وأجد نفسى مندفعاً للتحدث عن ما يحدث حولنا فى منطقة الشرق الأوسط وتحديداً ما يطلق عليها الدول العربية وأبدأ بتذكير السادة القراء بالمثل الشعبى الذى يقول “إذا كنتوا نسيتوا اللى جرى هاتوا الدفاتر تنقرا” وهذا المثل ينطبق تماماً على ما يحدث الآن فى المنطقة، فى البداية نستدعى أحداث التاريخ القريب أى أقل من مائة وخمسون عاماً وكانت هناك دولة اليمن التى يرجع تاريخها المعروف لدينا إلى عصر “النبى سليمان” والتى كانت تحكمها “بلقيس”
وهى دولة ذات حضارة قديمة ضاربة فى جذور التاريخ وكانت جزء من شبه الجزيرة العربية، وكان ينتشر فى الجزيرة العربية الكثير من القبائل الرُحل وكان من أهم معالمها وجود الكعبة فى مكة وكانت تلك الأراضى تعرف بأرض الحجاز منذ ما يقرب من ألف وربعمائة سنة نسبة إلى مناسك الحج التى يقوم بها المسلمون من كافة الأرجاء لزيارة مكة ويتبع ذلك زيارة المدينة المنورة والتى كانت تعرف بـ يثرب قبل هجرة الرسول محمد “عليه الصلاة والسلام” إليها والتى دفن فيها فيما بعد. وفى القرن التاسع عشر كانت إنجلترا تسيطر على شبه الجزيرة العربية والعراق ومصر والسودان وفلسطين بالإحتلال العسكرى بينما كانت
فرنسا تحتل سوريا ولبنان وتونس والمغرب والجزائر، واستمر هذا الوضع حتى نهاية الحرب العالمية الأولى وكانت أرض الحجاز تحت حكم “الشريف حسين” وهو من سلالة “الرسول محمد” وقامت إنجلترا بدعم “عبد العزيز آل سعود” للإستيلاء على الحكم فى الحجاز والذى استطاع أن يطرد “الشريف حسين” وأن يستولى على الحكم وأن يعلن فى أواخر عام 1932 قيام المملكة العربية السعودية وإرضاءً “للشريف حسين” قامت إنجلترا بمنحه جزء من الأراضى الخاضعة لإحتلالها بجوار نهر الأردن المعروف وسميت بمملكة شرق الأردن وقامت القبائل المنتشرة فى شبه الجزيرة العربية بالمطالبة بحقها فى أن يكون لها حكم ذاتى “تحت مظلة الإحتلال” وقام الإنجليز بتوزيع بعض أراضى شبه الجزيرة على تلك القبائل تحت مسمى “إمارات” مثل إمارة الفجيرة – إمارة عدنان – إمارة أبو ظبى – إمارة قطر .. إلخ. وكانت هذه المملكة الوليدة وباقى الإمارات عبارة عن
مواطنين حفاة عراة ونسبة الجهل والأمية تتعدى 90% وهذا الوضع لم يكن ينطبق على دول الشام أو شمال أفريقيا وبطبيعة الحال كانت مصر من أقوى دول المنطقة رغم خضوعها للإحتلال الإنجليزى ولكنها كانت منارة فى كافة المجالات السياسية والإقتصادية والعلمية والثقافية، وكانت تقوم بدورها فى محاولة تقديم العون لكل هؤلاء الحكام حيث كانت تقوم بإرسال البعثات التعليمية إلى المملكة السعودية والإمارات المختلفة على نفقتها الخاصة وكذلك إمداد المنطقة بالكامل بالمواد الغذائية والملابس والأحذية لمكافحة الحفاء والشاهد على ذلك الجرائد التى تحتوى على الكثير من الصور والموضوعات الخاصة بذلك وكانت مصر تقوم بكل هذه الأعمال دون انتظار أى رد للجميل ومما يؤكد ذلك “التكية المصرية” بمكة و “التكية المصرية” بالمدينة، ورحلة المحمل الذى ينقل كسوة الكعبة المصنوعة فى مصر وبإيدى مصرية سنوياً وكانت رحلة المحمل تشمل بخلاف الكسوة كميات ضخمة من السكر والدقيق والزيت والكثير من الملابس والتى توزع على أبناء المملكة العربية السعودية.
وهكذا كانت مصر تقوم بدورها الذى تعودت عليه على مر التاريخ وفى مختلف العصور ونشاهد فى زمن المسخ أن أدعياء العرب يوزعون فى سفاهة لم يسبق لها مثيل فى التاريخ ثروات شعوبهم على أعداء العرب وكان الآولى أن توزع هذه الأموال على الفقراء فى بعض البلاد الأفريقية وبعض بلاد آسيا التى تعانى من مجاعات تطيح بمئات الآلاف من الأطفال والنساء ولا أملك إلا أن أقول لهؤلاء السفهاء “ألا يوجد منكم رجل حكيم”.
وكفى بهذا القدر من الكلمات والتى تستحق كل كلمة منهم إلى مقال كامل منفصل وابحثوا فى كتب التاريخ للوصول إلى الحقيقة.