مقالات ودراسات

م . عباس محمود يكتب : المــــوعــــد

المــــوعــــد

أنها ليست مقالة بقدر أنها تعبير عن أحاسيس داخلية حينما يتعرض الإنسان لتغيير فى مسار حياته فهل
يقبل أم يستمر على نمط الحياة التى أعتاد عليها؟ فى انتظار آرائكم…..
ساعات قليلة باقية ويتغير كل شيء فرح .. خوف .. قلق .. مشاعر كثيرة مختلفة وأحاسيس جديدة
متضاربة عالم مجهول أقدم عليه والقرار قراري والإختيار إختياري أخطو إلي دنيا جديدة لا أعلم عنها
شيء هل من الممكن أن أترك خلفي أربعون عاما عشت أيامها يوم وراء يوم كنت في البداية أسأل عن
الأشياء والأشكال والألوان أتلمس طريقي وكانت أدواتي للمعرفة تنحصر في اللمس والسمع وأحياناً قليلة
كنت أضيف إليها الشم فهكذا جئت إلي الدنيا فاقد البصر.
وتمر بي الأيام وشيء فشيء كان لدي عالمي الخاص وبصيرتي التي كنت إلي أيام قليلة مضت أعتقد أنني
لا أملك سواها لم أرى يوما أي من الألوان الكثيرة ولكني كنت أشعر بها فحين يكون الحديث حول اللون
الأحمر أشعر بالحرارة التي تصل إلي درجة السخونة واللون الأبيض يبعث في داخلي نوعا من الصفاء
والارتياح والمساء يرتبط عندي باللون الأسود وهكذا جميع الألوان منها ما يمثل إحساس أو زمن أو مكان
ما صحراء بحر ريف .
وهكذا كان عالمي أتلمس الأشكال بيدي والألوان بأحاسيسي كان عالما خاصا وتمر السنون ويتفاعل عالمي
مع عالم المبصرين فأصف الأشياء والأماكن كما أشعر بها وكم كانت سعادتي حين أسمع كلمات الإعجاب
وصيحات الدهشة من قدرتي على وصف الأشياء وإختيار الألوان وتحديد الصفات بل وكثير من الأحيان
كنت أشاركهم في ألعابهم وسهراتهم ورحلاتهم وأعود وقد زادت بصيرتي ولا أبالغ إذا قلت بأنني كنت
أكثرهم استمتاعا بما اشاركهم فيه حين كنت أستمع إلي الموسيقى أشعر بأنني أراها أشكال مختلفة وألوان
متداخلةعالمي هذا لو تركت لنفسي العنان لأصفه لكم لأحتجت إلي مئات الصفحات ولو كلمتكم عنه لقضيت
عشرات الساعات ولا أكون قد بلغت الجزء القليل في وصفه لكم أو تصوير ولو جزء صغير منه.
وحدث الزلزال الذي أيقظني وملأني رعباً حين دعاني صديق عزيز أخذني إلي مكان عرفت منذ وطئت
قدمي مدخله أنه إحدى العيادات الطبية وجلست إلي الطبيب ثم إلي الأجهزة والمعدات ولا فرق بينهم فقد
كان شعوري والطبيب يسألني بأنني أواجه آلة صمـاء باردة المشاعـر عديمـة الأحاسيس وفي نهاية
الزيارة التي استغرقت أكثر من الساعتين وقع الزلزال حين أبلغني بأنه يمكن أن يعيد إلي نظري عن طريق
جراحة جديدة ونسبة النجاح فيها تصل إلي خمسون بالمائة ثم أردف فلنحاول فإذا فشلت فلن نخسر شيء
خاصة أنه سوف يجرى هذه الجراحة بلا مقابل.
واستيقظ الرعب في داخلي وبدأت أعيش الخوف نومي مضطرب طعامي نذر يسير ضحكاتي ضاعت وأيام
تمر في ثقل السنين وكما يقولون دائما لم أكن أعرف رأسي من رجليا نعم عرفت معنى هذه المقولة لم
أناقش الأمر مع أحد فأنا أعرف تماما ما سوف يقولونه"لنجرب ولن نخسر شيء" حتى هي التي تقف
دائما معي وتسكن داخلي والتي أراها ببصيرتي الخاصة وأشعر بقدومها بمجرد أن تبدأ التفكير في الحضور
حتى هي لم أطلعها على ما يجرى كنت طوال الأيام القليلة الماضية أختبأ داخلي وبدأ النـور الداخلي يخفـت
كنت مثل يرقـة الحرير أتقوقع داخل شرنقة ولا أدرى المصير .
الوقت يمر ويلعب بمشاعري فأحيانا يسرع كما ساعات العشق وتارة يبطئ كليالي الأحزان وأنا لم أقرر بعد
وتدور رأسي بكلمة لن نخسر شيء أعلم أنني لن أخسر شيء إذا لم أسترد نظري ولكن إذا نجحت العملية
وأصبحت مبصراً ونظرت إلي العالم حولي هل لن أخسر شيء!!!
وعاد إلي بعض الهدوء وتساءلت وهذا العالم الذي عشته قرابة الأربعين عاما خلقته لنفسي بنفسي وعشت
فيه وعاش في وشكلته بطريقتي الخاصة وأدمنته تلك الألوان التي لا يعرفها سواى شكل الطريق والمباني

والمقاهي والملاهي إنه عالمي أنا ولا يمكن لبشر أن يدرك ولو بعض منه وأنتى يا حلم عمري وشريكة
أفراحي فمعك لم يكن سوى الفرح والبهجة كيف أنظر إليك وقد إكتملت صورتك في داخلي .
وماذا إذا لم تعجبني ألوانكم وتشكيلاتكم ومبانيكم وكيف أعود إلي عالمي وماذا عنها!! أيمكن أن أراها في
صورة أخرى ومن يضمن لي سنوات من العمر حتى أتكيف مع الوضع الجديد تطلبون مني أن ألقي بعالم
عشت أربعون عاما أكونه وأكمل أركانه أحبه وأتنفسه وأحياه وهل يليق بي أن ألقي بذاكرتي إلي بئر
النسيان وأترك عالمي إلي مجهول ويعود بي عقلي أليس من حقي أن أرى وأن أشاهد وأن أعلم علم اليقين
وتمر الساعات الباقية ويحين موعد صديقي الذي سيصحبني إلي الطبيب.
وفي الموعد كانت يداها تحتويان يدي .. لا .. تحتويني كلي بحنان الأم وعطف الأبنة ولهفة الحبيبة في
مكاننا الأثير بعيداً عن الضوضاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »