مقالات ودراسات

إبراهيم طه.. يكتب: سيرة محمد لطفي منصور.. تحديات وإنجازات

المسيرة تستحق أن تُروى، ليس من باب الفخر، وإنما من باب نفع الناس، كل الناس.. كان لي شرف تلقّي هدية فاخرة تحمل بين طياتها هذه القصة العظيمة: نسخة موقعة من كتاب المهندس محمد منصور، الذي اختار له عنوانًا بليغًا ومباشرًا، هو «مسيرتي» استغرقت أيامًا في قراءة كافة تفاصيل هذا السِفر الغني، الذي لا يسرد مجرد محطات نجاح تجاري، بل يقدم تحليلاً عميقًا للتحديات القاسية التي شكلت فلسفة رجل أعمال وقائد دولة.

بينما كنت أتنقل بين فصول الكتاب ـ  بدءًا من «البذرة الأولى» وصولاً إلى هذه هي «مسيرتي» ـ عشت مع الرجل رحلة ممتعة، رافقتُ فيها الطفل الذي نجا من حوادث وصدمات ثلاث، والشاب الذي كافح في الغربة ليدفع ثمن تعليمه، ثم رجل الدولة الذي حمل على عاتقه مهمة إصلاح قطاع النقل.

كشفت القراءة عن عمق إنساني فريد، وعن دروس مستفادة في تحويل المحن إلى منح، والإصرار على النجاح بوازع من الثقة بالله والعمل الجاد.. إنها سيرة تليق بأن تكون «منارات مُلهمة في طريق الحياة» كما أهداها لأبنائه وأحفاده.

نعم.. هناك رجال صنعوا الفرق. في طليعتهم يقف المهندس محمد لطفي منصور – رجل الأعمال الدولي، وزير النقل الأسبق، الذي لا تمثل سيرته مجرد سجل للأحداث، بل ملحمة إنسانية عن قائد تنقّل بنجاح نادر بين تحديات القطاع الخاص ومسؤوليات الخدمة العامة.

من الصدمات إلى القمة: تشكيل شخصية استثنائية

الطفل_منصور_مع-والده_Trans2Day

وُلد منصور عام 1948 في أحضان عائلة عريقة جمعت بين أصالة آل منصور وعراقة آل توغاي من جده «أمين بك» الذي حوّل المستنقعات إلى أراضٍ عمرانية، إلى جده “فؤاد باشا توغاي” القائد العسكري البارز، تشكّلت لديه مبكراً قيم الطموح والجدية والمثابرة.
لكن المسيرة لم تكن مفروشة بالورود. تعرّض منصور لثلاث صدمات مصيرية شكلت وعيه، «بدأت بحادث سيارة أليم عام 1958 أقعده ثلاث سنوات، علمته “تحويل العزلة إلى تركيز استراتيجي». تبعتها الصدمة المالية بمصادرة أموال العائلة عام 1961، والتي قابلها بتشبثه بعقلية «العقل والتعليم هما الموردان غير القابلان للمصادرة». ثم جاءت الصدمة الوجودية بإصابته بالسرطان عام 1968، مما عمّق إيمانه بالله وقدرته على المواجهة.

إمبراطورية الأعمال: من قطنة إلى عولمة

محمد_لطفي
محمد_لطفي

انطلق منصور في عالم الأعمال من شركة والده لتجارة القطن، لكن بصيرته الثاقبة قادت إلى التحول الاستراتيجي الأهم عام 1975 – الانتقال إلى قطاع السيارات بوكالة «شيفروليه» بعد رحيل والده المفاجئ، قاد هو وإخوته المجموعة بفلسفة قائمة على الشفافية والريادة التسويقية، حيث كانت رعاية النادي الأهلي إنجازاً تسويقياً غير مسبوق.
لم يتوقف عند هذا، بل قفز بقفزة نوعية أخرى إلى قطاع معدات البناء بوكالة «كاتربيلر» عبر «مانتراك»، ثم إلى التوسع الدولي باحتكار الوكالة في 12 دولة أفريقية.. اليوم، تمتد إمبراطورية منصور لسبعة قطاعات حيوية، من «ماكدونالدز» إلى «بالم هيلز» والعقارات والتكنولوجيا، بتوظيف 60 ألف شخص في 100 دولة.

وزير النقل: نقل نموذج الكفاءة إلى الخدمة العامة

محمد_منصور_بين_العمال_السكة_الحديد_Trans2Day

في 2005، قبل منصور تحديًّا جديدًا بتوليه وزارة النقل، متنازلاً عن 58 منصباً في قطاعه الخاص.. وجد أمامه إرثاً ثقيلاً من التحديات: هيئة سكك حديدية تتكبد خسائر مليارية، وبنية تحتية متدهورة.
طبّق فلسفته القائمة على «الموارد البشرية كركيزة للإصلاح» و«تمويل التحديث بالأصول غير المستغلة». خلال أربع سنوات، حقق إنجازات ضخمة: جذب استثمارات بقيمة 3.5 مليار دولار، تطوير 5000 كيلومتر من الطرق، تحويل السكك الحديدية من الخسارة إلى نقطة التعادل المالي، وتطوير ميناء شرق بورسعيد ليكون ثالث أكبر ميناء بالمتوسط.
واجه أزمات كبرى ككارثة عبارة السلام 98 وحادث قطار العياط، وتعامل معها بمنطق «التركيز على الجوهر لا المظاهر». في 2009، قدّم استقالته الاستباقية، مفضلاً «أن يُقال بدلاً من أن يستمر دون جدوى».

الإرث الإنساني: بين الوسام الملكي ودار العائلة

منصور_مع_أسرتة_عقب_تسليم_وسام_فارس_من_ايطاليا

بعيداً عن دائرة الأضواء، يقدّم منصور نموذجاً فريداً للمسؤولية الاجتماعية. يجسّد مقولة والده: «عندما تُحسنون للمحتاجين، يأتي الرزق إليكم».. أسس جمعية «ليد» التي موّلت 500 ألف مشروع صغير، وأكاديمية «رايت تو دريم» للتعليم الرياضي.
في ديسمبر 2024، نال وسام الفروسية لقب «سير »من الملك تشارلز الثالث، تقديراً لمسيرته في الاستثمار والعمل الخيري. كما شيّد «دار آل منصور» في مواجهة الأهرامات، رمزاً لمجد العائلة وارتباطها بتراث الوطن.

دروس من ملحمة حياتية

محمد_منصور_مدبولى

 

تمثل مسيرة محمد لطفي منصور دليلاً حياً على أن الإرادة القوية – مدعومة بالعلم والخبرة – قادرة على تحويل أقسى التحديات إلى منجزات خالدة.. من صدمات الصحة والمال، إلى قيادة إمبراطورية أعمال عالمية ووزارة مصيرية، يبقى درسه الأهم: «العقل والتعليم هما المورد الوحيد غير القابل للمصادرة».
تبقى سيرته شاهداً على أن النجاح الحقيقي ليس في تجميع الثروات، بل في صناعة الفرق – في الاقتصاد، في الخدمة العامة، وفي حياة الناس.. هي قصة رجل لم يكتفِ بالصعود إلى القمة، بل جعل من مسيرتي الخاص والعام إرثاً يرفد حاضر الأمة ومستقبلها.
من القلب.. أتوجّه بخالص الشكر والتقدير الوافر للمهندس محمد منصور وزير النقل الأسبق ورجل الأعمال البارز على هذه الهدية القيمة، التي أضاءت جوانب مضيئة من العمل والكفاح والريادة في مصر والعالم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »