مقالات ودراسات

م . عباس محمود يكتب : الوزير العاشق … دروس من الماضى

فى عام 1981 أمتلأت كافة وسائل الإعلام بالتنويه عن عرض المسرحية الشعرية الوزير العاشق التى كتبها الشاعر العبقرى “فاروق جويدة” والتى أعاد بها المسرح الشعرى بعد أن توقف منذ عصر أمير الشعراء“أحمد شوقى” وذلك على خشبة المسرح القومى بالعتبة وانتابني الفضول فقمت بشراء نسخة مكتوبة من المسرحية وقرأتها أكثر من أربع مرات على مدار ثلاث ليالى متواصلة وكانت المفاجأة فىوأنا عاشق للقراءةأن أجد فى هذا العمل الشعرى أشياء تتجاوز حدود أن يكون عملاً أدبياً فقط.

وذهبت إلى المسرح لأشاهد هذا العمل الذى لا أعتقد أنه يوجد له مثيل فى الأعمال الشعرية وخاصة المسرحية فقد كان عملاً بالإضافة إلى جودة الشعر يتميز بالرؤية السياسية الثاقبة والتى تستلهم من الماضى ما تلقي به أمام أعين وأذهان الحكام والشعوب فى الوقت الذى كانت تعرض فيه هذه المسرحية وشكراً لمن سمحوا لهذا العمل أن يرى النور ولو أنه لم يتكرر إعادة العرض رغم النجاح الجماهيرى والإيرادات القوية حيث أنه كان من الصعوبة بما كان الحصول على تذكرة لحضور العرض .

وقبل أن أسرد وأحاول أن ألخص مضمون هذا العمل يجب أن أوجه التحية إلى أبطال هذا العمل، والبطل الأول هو الشاعرالعظيم “فاروق جويدة” ويليه عملاق المسرح الأستاذ العظيم “عبد الله غيث” والذى قام بدور “ابن زيدون”الوزير العاشق وتشاركه فى ذلك سيدة المسرح بلا منازع “سميحة أيوب” التى قامت بدور “الولادة بنتالمستكفي” وكان الإخراج للأستاذ “فهمى الخولى” وتألق مع هذه الكوكبة المتميزة الفنان “حسينالشربينى” وقامت بالغناء الرائعة “عزة بلبع”.

وتدور الأحداث حول ما حدث فى الأندلس بعد أن استولى عليها القائد العربى “طارق بن زياد” صاحبالمقولة الشهيرة والتى قالها بعد أن قام بحرق الأسطول البحرى الذى أنتقل به من المغرب العربى إلىأسبانيا وقال مقولته الشهيرة “العدو أمامكم والبحر خلفكم” وكان يقصد بها أنه لا مفر من الإنتصار وأنه أماالإنتصار أو الموت، وبعد أن تم فتح الأندلس تم تقسيمها إلى ممالك صغيرة وكان التناحر بين هذه الممالكحول من يتولى القيادة ولم يدرك هؤلاء الملوك الغير مؤهلين للحكم حجم الكارثة التى تحيط بهم.

المسرحية تلقى الضوء من خلال قصة الحب بين “ابن زيدون” الوزير و”الولادة بنت المستكفي” التى تخلتعن عرش أبيها بعد أن تم اغتياله لمحاولته لم شعب الممالك ونصحهم حتى لا تضيع الأندلس بالكامل وكانت“الولادة” تؤمنكما يظهر جلياً فى المسرحيةبقوة الكلمة وقدرتها على تغيير الواقع بينما كان الوزير“ابن زيدون” يؤمن بقوة السيف وقدرته على تحقيق كافة الأمنيات وكان الصراع رغم عاطفة الحب التىتجمع بين “ابن زيدون” و”الولادة” يتجلى فى هذه النقطة الخلافية بين من تؤمن بان الكلمة هى الطريقالسليم لإنقاذ الشعب من غفوته بينما يسعى “ابن زيدون” إلى تقوية الشعب ودعمه بالسلاح حتى يتمكنمن تحقيق الوحدة المهددة بالضياع أو بالأصح التى بدأت تضيع وتضيع معها الممالك الكرتونية ورغم هذاالإسقاط الواضح فى المسرحية فأن العرض استمر أكثر من سنة وأدعى أننى حضرت العرض مرات عديدةوفى كل مرة اكتشف نواحى شديدة القوة والإيحاء فى داخل النص، وإن كان هناك من يستحق الإشادة فهمهيئة الرقابة والتى سمحت بمثل هذا العرض وقد تكون مشاهد الختام فى هذه المسرحية والتى حملت رسالةخطيرة مؤداها أن الدسائس هى التى فازت وتغلبت على كل من إنحاز إلى القوة وأيضاً من لجأ إلى قوةالكلمة من أجل إنقاذ الشعب من السقوط فى هوة الضياع.

وضاعت الأندلس حيث تساقطت الممالك الصغيرة المنقسمة على نفسها وكان الختام فى جملة مأثورة قالتهاأم أخر ملوك الأندلس عندما أنهزم وخر باكياً وقالت جملتها “لا تبكى كالنساء على عرش لم تستطع أنتحافظ عليه كالرجال” وهذه الجملة والموقف المأثور من حقائق التاريخ وليس من أحداث المسرحية.

كلمة أخيرة أسمح لنفسى بها قد تكون رجاء أو طلب يلح على أفكارى هو أن يتفضل السادة المسئولين عنالتعليم بكافة مراحله المختلفة والمسئولين عن الثقافة وأيضاً الإعلام بعرض هذه المسرحية حتى ولو عنطريق عرض تسجيلهاوأرجو أن لا يكون قد ضاع فى الدهاليزعلى كافة فئات الشعب والطلاب فى جميعالمراحل التعليمية فى المدارس والجامعات وفى النوادى والساحات الشعبية وفى وسائل الإعلام المرئية ولتكنصرخة ودعوة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لكافة العرب قبل أن نتعرض للضياع.

وإلى لقاء إذا كان فى العمر بقية

م . عباس محمود يكتب : رحلة الربع جنيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »