منصور: «قلبي انقبض عندما علمت بغرق العبارة، والحادثة لم تجعلني أنام فترة طويلة»
مبارك والمصريون يحتفلون بفوز منتخب كرة القدم … ومنصور يتلقى خبر كارثة العبارة السلام 98

في الحلقة الثانية من كتاب « مسيرتي» التي تصدر خلال أيام لـ «سير » محمد منصور رائد الأعمال العالمي، والذي شغل عدد من المناصب منها وزيرًا للنقل في الفترة من 28 ديسمبر 2005 -27 أكتوبر 2009 ، يواصل كشف الكواليس .
ونتناول من في هذه الحلقة كارثة العبارة السلام 98 ، كما نكشف اسرار أحاطت بقطاع النقل البحري ، وعبارات نقل الركاب في هذه الفترة وصراع أباطرة البحر ، والتي كان كاتب السطور يتابعها عن كثب ،، متوقعا حدوث شيءٍ ما وهو ما حدث ،، والي الكواليس الأسرار,,

في ليلة شديدة البرودة يوم 3 فبراير 2006 كان المصريين يحتفلون بتأهل منتخب مصر لكرة القدم للدور نصف النهائي لكأس الأمم الأفريقية بعد تغلبها علي الكونغو الديمقراطية 1/4، وتواجد الرئيس الراحل مبارك في الملعب لتشجيع الفريق، وفي ذات الليله كان الوزير محمد منصور الذي لم يكمل يومه ال 35 في وزارة النقل، يتلقى خبرا صادمًا عن غرق عبارة مصرية تحمل 1414 راكبا، خرجت من ميناء جدة بالسعودية السابعة مساء وكان مخطط وصولها صباحا ميناء سفاجا بمصر، يقول منصور في كتابه « مسيرتي» « انقبض قلبي، وأدركت أنني أمام مأساة إنسانية مروعة»

وكأن الوزارة العصية علي الإصلاح تكشر له عن انيابها السامه مبكرا، والمفاجأة أن الضربه جاءت من البحر وليس السك الحديدية كما هو متوقع.
نعود معكم إلي 100 يوم قبل تولي محمد منصور حقيبة النقل.
تهديدات صاحب العبارة لوزير النقل
في مساء 17 أكتوبر 2005 وفي ليلة رمضانية وكاتب هذه السطور وباقي مجموعة صحفي النقل ، نتأول الإفطار بحضور الدكتور عصام شرف وزير النقل السابق وعدد من قيادات الوزارة في محافظة السويس، وقع حادث بالقرب من ميناء السويس، عندما اصطدمت العبارة السلام 95 بسفينة بترول قبرصية مما أدى إلى مصرع شخصين وإصابة 40 آخرين، وكانت العبارة المصرية عائدة من السعودية متجهة إلى السويس.
عدنا إلي القاهرة بعد متابعة الحادث، وتداخلت المعلومات عن المتسبب في هذا الحادث، إلى أن خرج تقرير هيئة السلامة البحرية التي كان يترأسها آنذاك اللواء حسين الهرميل، بتقرير صادم لمالك شركة السلام للعبارات ممدوح اسماعيل، والذي فور علمه بفحوى التقرير توجه إلي مقر الوزارة في مدينة نصر يطلب من الدكتور عصام شرف تعديلا أو بمعنى أدق تغييرا في التقرير، لأن التقرير يدين شركته وسيحملها خسائر تقدر ب 7 ملايين دولار.

وكان الموقف في الوزارة مرتبكاً وشاهدت يعني «إسماعيل» يخرج غاضبا من مكتب الوزير، مهددًا ومتوعدًا، ورفض الإدلاء بأي تصريحاته صحفيه.
كان ممدوح إسماعيل يمتلك شركة تدير أسطولاً يتكون من 23 عبارة من الركاب والبضائع تعمل بين مصر والسعودية، وكان حرفيا يتحكم في 80% من حركة النقل البحري بين البلدين، ويتجاوز في الحد المسموح به في عدد الركاب أحيانا في بعض الرحلات.
كان الغرض من سرد كواليس هذا الحادث، والذي كنت شاهدا على أحداثه سواء في السويس أو داخل اروقه الوزارة ، هو رصد حالة التراخي في بعض الممارسات، والتي كانت تنذر بشيء سيئ سيقع قريبا، وبالفعل هذا ما حدث!!!
الطائرة تحلق فوق العبارة الغارقة
نعود إلى كتاب « مسيرتي» الذي يؤرخ لسيره حياه سير محمد منصور، حيث يسرد تفاصيل الحادث وكأنه وقع بالأمس القريب، ويقول منصور« أدركت أنني أمام مأساة إنسانية مروعة، وأنني بحكم منصبي أحد المسؤولين عنها. كان لزاما علي أن أفعل كل شيء من أجل مواجهة آثار الكارثة».
ويضيف« إتصلت برئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف، ووزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي – رحمه الله- لترتيب زيارة لي إلى موقع الكارثة في البحر الأحمر. وخلال هبوط الطائرة المروحية، تلقيت مكالمة من شبكة سي إن إن الأمريكية، التي كانت بالفعل على علم بوقوع الحادث، وكان يجب أن أتحدث إليها، رغم قراري السابق بعدم التعامل مع وسائل الإعلام لنحو 100 يوم، إلا أن الوضع كان يستدعي الحديث، وقلبي يعتصره الحزن على الضحايا، وتعاطفا مع أسرهم».

ويروي منصور« عندما حلقت بالمروحية فوق موقع الحادث بدا المشهد قاتما للغاية؛ حتى إنني تصورت أننا لن ننجح إلا في إنقاذ 20 شخصا في أفضل الأحوال، خاصة مع انخفاض درجة الحرارة، واحتمالية انتشار أسماك القرش أرسلنا عبارات لانتشال الناجين، وعلى مدى ساعات طويلة نجحنا في إنقاذ 388 شخصا؛ ولكن للأسف فقدنا 1031 آخرين».
ليالي طويلة بلا نوم
يصف محمد منصور حادث العبارة السلام 98 بأنه إحدى أكبر الكوارث البحرية في زمن السلم في مصر، ويقول « وهو ما جعلني أقضي ليالي طويلة بلا نوم ، فعلي الرغم أن الكارثة من الناحية الفنية لم تقع في نطاق سلطتي، فبصفتي وزيرا للنقل، وبنص القانون كنت مسؤولاً عن الموانئ المصرية وما يقع في نطاق 20 كيلومترا من الحدود البحرية لمصر فقط، والحادثة وقعت على بعد 90 كيلو متر شرق ميناء سفاجا بمحافظة البحر الأحمر»
ويشيد محمد منصور في مسيرته بالجهود والتعاون الذي بذل للعثور على الصندوق الأسود للعبارة، وقال «قدمت لنا وزارة البترول برئاسة الوزير سامح فهمي آنذاك روبوت يمكنه الغوص لمسافة كيلومتر واحد تحت سطح البحر، للمساعدة في العثور على الصندوق الأسود للعبارة الغارقة، حتى نتمكن من معرفة أسباب وقوع الحادث».
ويستكمل «سجلت هذه العملية في موسوعة جينيس للأرقام القياسية بوصفها إحدى أعمق عمليات الغوص لاسترجاع الصندوق الأسود. وبالفعل عرفنا كل شيء. لقد اكتشف المحققون أن حريقا اندلع في سطح مخزن السيارات بالعبارة بعد نحو ساعتين من انطلاق الرحلة التي بلغت مسافتها 200 كيلومتر. واستنتج المحققون أن تراكم المياه المستخدمة لإخماد النيران على سطح مخزن السيارات أدى إلى اختلال توازن العبارة، فبدأت تميل، ثم انقلبت، وكان ربانها ضمن الضحايا».

وينهي سير محمد منصور حديثه عن هذه الكارثة قائلًا « حينئذ لفت نظري بعض الساسة، الذين رأوا أنني لم يكن من المفترض أن أتصدر المشهد العام في حادث خارج اختصاص سلطاتي القانونية، غير أن شعوري الإنساني الزمني بأن أفعل ذلك، وأتصور الآن بعد مرور هذه السنوات، لو عاد بي الزمن لفعلت ما فعلت برضا وراحة ضمير ».
ورغم قسوة هذا الحادث على المصريين وعلي الوزير محمد منصور شخصيًا ، إلا أنه كان درس مستفاد، فتحت أعين الجميع على مجموعة من الحقائق وهي أن الدوله لا تمتلك أسطول من السفن والعبارات لنقل الركاب والبضائع عبر المواني المصرية، واستثمر منصور فرصة تبرع المملكة العربية السعودية ب سبعين مليون دولار لشراء مركبين للركاب والبضائع اطلق عليهم « القاهرة والرياض» التي دخلت الخدمة في عام 2008، كما كثف منصور من إجراءات التفتيش البحري على السفن والعبارات العاملة في جميع الموانئ المصرية.
النقطة الأهم التي حققها منصور هي ضبط الحركه البحرية خلال موسم العمرة والحج، بتكليف اللواء بحري محفوظ طه رئيس هيئة موانئ البحر الأحمر السابق ليكون مسؤولا عن حج وعمرة المصريين.
وبالفعل كان عام موسم عام 2007 من أنجح المواسم، ولم يشهد أي تكدس في ذهاب أو عودة الحجيج، رغم قلة عدد العبارات بعد بيع شركة السلام لمعظم أسطولها بعد كارثة العبارة السلام 98.
صور شخصية





لقراءة الحلقات السابقة
في الحلقة القادمة – السكك الحديدية تضرب بقسوة ومنصور بين خسائر الإيرادات والتطوير.