م . عباس محمود يكتب : تغيير الهوية … أم فقد الهوية

عندما نبدأ فى الحديث عن هوية المصريين فالأمر يكون فى الغالب مرتبط بالمكان الذين يقيمون فيه أو يعملون فيه وما يحيط بهذا المكان من معالم تكاد تكون علامات ثابتة تؤثر فى الغالب بالإيجاب على الأفراد والجماعات المرتبطة بالمكان وهنا أتكلم عن منطقة وسط البلد أو ما يطلق عليها “القاهرة الخديوية” نظراً لإرتباطى بهذا المكان منذ منتصف الستينات حيث كنا نسير بشارع طلعت حرب “سليمان باشا سابقاً” فنفاجئ بكثير من المعالم التى تعبر عن هوية المكان فمثلاً كان هناك دور السينما التى تخصص معظمها فى عرض الأفلام الأجنبية مثل سينما مترو – سينما راديو – سينما ميامى – سينما أوديون وكذلك أماكن مخصصة لتقديم الأطعمة والمشروبات للعائلات وأشهرها جروبى فى ميدان طلعت حرب والذى كان يرتاده الطبقة
الراقية وأشتهر بتجمعات أصحاب الألقاب ما قبل ثورة 23 يوليو وأيضاً يوجد محل الآمريكين الذى كانت شهرته الأكبر فى تقديم الحلوى والعصائر الطبيعية وأشهر ما كان يقدمه هو ” الثلاثة خنازير الصغيرة” Trois petits cochons وهو عبارة عن ثلاثة قطع من الآيس كريم على طبقة خفيفة من مربى اللارنج ومغطاة بطبقة أخرى من الكريمة المزينة بالمكسرات ومحل الآكسيلسيور الذى كان يشتهر بتقديم أطباق المكرونة البشاميل وسندوتشات اللحوم الباردة وقائمة طويلة من المأكولات الخفيفة وفى مواجهته كان يوجد مطعم زينة الذى أفتتح فى فترة الوحدة بين مصر وسوريا وكان أول من قدم سندوتشات الشاورما والمصنوعة بجودة عالية جداً والكثير من المطاعم والأفران وأشهرها مطعم الجريون – مطعم آستوريل – كافيه ريش – مطعم أفتر ايت – فرن كريستال – كشرى جحا – البن البرازيلى وخلافه. كما كان هناك محلات شهيرة ومن أشهرها محل يعقوبيان فى العمارة التى أطلق عليها نفس الأسم وكان متخصصاً فى كافة مستلزمات البيت مثل طفايات السجائر
الكريستال وأدوات النظافة وشماعات الملابس بمختلف أنواعها وكافة ما يلزم من الأدوات المنزلية الخفيفة وبجانب ذلك كان يوجد محلات شقال – جنتلمان – عرفة ودجانى – فؤاد حايك – محل جورج المتخصصين فى عرض أحدث ما وصل إليه عالم الأزياء فى ملابس الرجال والسيدات إلى جانب الهدايا لكافة المناسبات. وفى شارع قصر النيل الذى كان يبدأ بكازينو صفية حلمى وفى هذا الشارع الكثير من محلات الملابس الجاهزة أيضاً وإكسسوارات الفساتين للسيدات والأحذية الحريمى
والرجالى مثل محل ديزيدى للأحذية – شالون – سجاد كحال – سجاد كذرونى وكذلك كانت تنتشر أستوديوهات التصوير مثل استوديو آرمان – استوديو فارتان – ستوديو آندرو كما كان هناك الكثير من المكتبات المنتشرة فى ميدان طلعت حرب وفى شارع عبد الخالق ثروت وشارع عدلى مثل مكتبة مدبولى – دار المعارف – مكتبة الآنجلو – لينرد أند بروك – مكتبة خضير كذلك معهد روبير للرقص وهو مكان لتعليم الرقصات الغربية وكان يقع فى ميدان طلعت حرب وله فرع فى الزمالك وفرع آخر فى الهرم وفرع بالإسكندرية، كما كنا نجد الكثير من المحلات مثل محل فن السلويت – مسرح إسماعيل ياسين – مطعم روى – ملهى المولان روج – محل ألف صنف وصنف – حديقة جروبى – موبيليات بونتريمولى – محلات جاتينيو وسيدتى الجميلة – محل بوابجيان للأزرار وكلف الفساتين – الصالون الأخضر وملحق به كافيتريا تقدم أفضل عصير ليمون – ممر بهلر – محل أم حبيبة – بقالة نيكولاكس بشارع عرابى – محل سندوتشات على كيفك بجوار سينما كايرو – محل زهور عفيفى بشارع شريف “والد فاطمة عفيفى بطلة السباحة” – كافيتريا لاباس بشارع قصر النيل – مطعم كارول – مطعم صوفر اللبنانى – كوافير إمبيانس – كوافير غريب بتاع الهوانم – مطعم فلفلة – مطعم علاء الدين بعمارة الإيموبيليا – منير نصيف للنظارات – محلات أحذية زلط ولطفى وسمراء.
وهكذا نجد فى هذه التشكيلة المتنوعة من الأنشطة التجارية والفنية والثقافية ما يشكل منظومة فى وعى الجماهير الذين يحيط بهم مثل هذه الأماكن والتى تشكل نوعاً من الثقافة التى تشى بمحتوى تلك المنظومة. وإذا انتقلنا إلى القاهرة الفاطمية نجد منظومة تختلف كثيراً عن منظومة وسط البلد حيث تنتشر فى منطقة الغورية والأزهر محلات العطارة وتجارة الأقمشة والمناطق الصغيرة التى تحمل أسماء المهن المختلفة مثل الخيامية لصناع الخيام والأقمشة المزخرفة واللوحات اليدوية المصنوعة من تركيبات ملونة من القماش وأيضاً منطقة المنجدين والتى يتركز فيها تجار القطن المستخدم فى عمل الصالونات، ناهيك عن الطرز المعمارية بدءاً من العمارة المملوكية وعمارة الفاطميين بمختلف تشكيلاتها والتى تؤثر فى المقيمين فى هذه المناطق.
وهكذا نجد أن الهوية تتشكل بناء على أنشطة المكان ومعماره فى تكوين هوية البشر التى تختلف من مكان إلى مكان آخر ونجد أن قاطنى منطقة وسط البلد أو حى جاردن سيتى يختلفون فى تركيبتهم الاجتماعية وحتى فى مفردات اللغة الدارجة عن قاطنى مناطق الدرب الأحمر والجمالية والسيدة زينب مما يحتاج عمل دراسة أكاديمية عن تأثير المحيط الجغرافى على هوية المتعاملين معه.
ويساورنى كثير من القلق عندما أتجول فى هذه الأماكن بمختلف جغرافيتها فأشعر بتغيير الهوية نتيجة إختفاء كثير من الأماكن المذكورة فى بداية المقال وتغيرها إلى أشياء لم تكن موجودة من قبل لا تمت للهوية بصلة مما ينذر بإختفاء الهوية الأصلية أو على الأقل تقزيمها وفى انتظار تعليقاتكم