مقالات ودراسات

م . عباس محمود يكتب : عودة إلى ذكريات الإستنزاف الجندى المجهول

فى أثناء معارك الإستنزاف إلتقيت بعدد كبير من شباب مصر كانوا يقومون بأعمال عظيمة ولم أرى أحداً منهم يسعى إلى الظهور أو يشعر بتضخم الـ أنا الداخلية لديه فمثلاً عندما كنا نقوم بأعمال ترميم المطارات كانت الممرات فى حالة سيئة وتمتلئ بالشروخ والتى تؤثر بلا شك فى كفاءة عمل الممرات وكنا نلجأ لإعادة رصفها – وحتى لا تعود الشروخ إلى الظهور فى الطبقات الجديدة – إلى استخدام خلطة تسمى “البريمكس” وهى تتكون من استخدام كسر الحجر بأحجام تتراوح ما بين 15مم و30مم مما يجعل هذه الطبقة تتحمل الصدمات دون أن تظهر الشروخ فيها أو الطبقة التى تليها، وحتى نتمكن من إغلاق المسام فى سطح هذه الطبقة نقوم بنثر طبقة من الحصى الرفيع بواسطة العمالة اليدوية ثم يرش فوقه طبقة من الأسفلت الساخن حتى يتماسك وكانت هذه العملية تستغرق منا الكثير من الجهد والوقت الذى كان يمثل لنا عاملاً حاسماً

وكان يشرف على التنفيذ أحد الضباط الشبان برتبة نقيب مهندس وأقترح علينا ذات يوم أن نقوم بخلط طبقة التسوية “وهى الحصى الرفيع والأسفلت السائل” فى ماكينات الخلط ثم يتم توزيع الناتج بواسطة آلات التسوية. وبدأنا فى عمل هذه التجربة على أحد الممرات وكان ذلك فى مطار فايد ووفرت لنا هذه التجربة الجديدة أكثر من 80% من التكلفة المادية ووفرت أكثر من نفس النسبة فى زمن التنفيذ ولم يكن أحد من رؤسائى فى العمل أو رؤساء هذا النقيب يعلم بما يدور إلا بعد نجاح التجربة والثناء عليها من جميع الأطراف وبعد عدة شهور صدر قرار بتعميم هذه الطريقة فى المطارات والطرق المدنية ولم يفكر أحد فى الإشارة إلى صاحب الفكرة – والذى أعتذر بشدة لعدم تذكرى اسمه – وهذا مثال للجندى المجهول الذى أقصده والذى قابلت مثله نماذج كثيرة.

فمثلاً بعد وقف إطلاق النار فى يونيو 1967 كانت المجندات الإسرائيليات على الضفة الشرقية لقناة السويس يقمن بأعمال استفزازية لجنودنا على الضفة الغربية حيث يسبحن أمامهم شبه عرايا ويستفزونهم بالإشارات والكلمات الجارحة وكانت التعليمات صارمة لجنودنا بعدم الرد أو الخضوع لهذه الاستفزازات، وفى أحدى الأيام فوجئ الجميع بإنفجار ضخم قرب الشاطئ الشرقى حيث كانت مجموعة من المجندات الإسرائيليات يقمن باستفزازاتهم اليومية وأدى هذا الإنفجار إلى مصرع أكثر من عشرون مجندة بخلاف الإصابات والتى جعلتهن يتوقفن عن هذه الأعمال ولم يستطع أحد حتى فى الجانب المصرى إلى معرفة من قام بهذا العمل البطولى. وهذا نموذج آخر للجندى المجهول.
والاستطراد فى سرد بطولات جنودنا المجهولين يتطلب آلاف الصفحات.
ولنا لقاء قريب لإستكمال ذكريات الإستنزاف ……….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »