م / عباس محمود يكتب : نسفنا جبل ادفو بجذع الشجر لتوسيع طريق كوم أمبو

كانت جميع الطرق فى مصر فى منتصف السبعينات لا يتجاوز عرضها ستة أمتار مزدوجة الاتجاهات، وكنت مكلفاً فى عام 1976 بتنفيذ أعمال توسيع طريق أدفو / كوم أمبو بطول 60 كيلو ليصبح عرض الطريق ثمانية أمتار مرصوفة زائد مترين من كل جانب كأجنحة للطريق، وعند المعاينة وجدنا مسافة حوالى ثمانية كيلومترات تقع بين جبلين من الصخور ارتفاع الجانب الواحد يتراوح ما بين 25متر – 35 متر ولم يكن متاح استخدام المعدات الحديثة أو أسلوب النسف بالمتفجرات لتوسيع الطريق، ولم يكن هناك مفر من إستخدام الطرق البدائية أى التكسير اليدوى لتوسيع الجانبان، واستخدمنا العديد من الطرق لتفتيت هذه الكتل الصخرية ومن أكثر هذه الطرق فاعلية طريقة تم تطبيقها أيام المصريين القدماء عند تقطيع الجرانيت لعمل المسلات وتتلخص فى أن نحدث ثقباً فى الكتلة الصخرية ثم نملأ هذا الثقب بجذع شجرة يكون كامل الجفاف وبعد أن ندخل هذا الجذع داخل الثقب فى هذا الجزء من الجبل يتم حقن خشب هذه الشجرة بأكبر كمية من الماء وتكون هذه الثقوب متجاورة تفصلها مسافات لا تزيد عن المتر الواحد، وبعد إضافة الماء يتم ترك الموقع والإنتقال إلى موقع أخر لتكرار هذه العملية وفى خلال مدة لا تتجاوز 48 ساعة يتمدد الجذع الخشبى ويحدث خلخلة فى الصخور مما يؤدى إلى تشققها وتسهل عملية الإزالة. وكانت هذه الفكرة – المقتبسة من الموقع الآثرى المسمى بالمسلة الناقصة بأسوان – بمثابة هدية من أجدادنا المصريين سهلت علينا العمل بنسبة لا تقل عن 50% سواء فى الوقت أو فى المجهود وكنا نعمل فى باقى المسافة المفتوحة لتوسيع الطريق ونواصل الليل بالنهار حيث أنه كان من المفترض بعد الإنتهاء من هذه المرحلة أن نواصل التوسيع حتى نصل إلى أسوان. وفى أثناء التنفيذ قام العديد من السادة مهندسى مؤسسة الطرق والكبارى بزيارة الموقع لمشاهدة ما يتم على الطبيعة من استخدام هذه الطريقة التى تعود إلى آلاف السنين والتى جنبتنا وقوع أى حوادث على الطريق أثناء التنفيذ.
وقد قامت الدولة بعد ذلك بتوسعة الطريق ليصبح العرض 12 متر فى كافة المراحل منهم 6 أمتار للذهاب و6 أمتار للعودة وكانت تلك بداية للإهتمام بطرق الوجه القبلى والطرق المتفرعة منه ومن أهمها الطرق الداخلية لمنطقة النوبة الجديدة والتى كانت تحوى مناطق عديدة تبدأ من قرية بلانه مروراً بقرى النوبة الجميلة والتى تحظى بأسماء مثل قوطه أول – قوطه ثان – الجنينة – الشباك.
ولهذه العملية ” طرق النوبة الجديدة ” مقال أخر فى الأسابيع القادمة