م . عباس محمود يكتب : مصر ولادة … شخصيلات لن تتكرر

عبر التاريخ منذ عصور قدماء المصريين وحتى عصرنا الحالى مرت بمصر أحداث وشخصيات لم تتكرر ولا أعتقد أنه يمكن تكرار هذه الشخصيات ولا تكفى عشرات المقالات بإلقاء الضوء ولو فى مرور عابر لكل هذه الشخصيات وأجد نفسى مضطراً أن أبدأ من عصر بداية نشأة الدولة المصرية الحديثة والتى يجمع المؤرخون على أن بدايتها كانت تولى “محمد على باشا” رأس الأسرة العلوية واستكمل المسيرة حتى العصر الحالى. ونبدأ بمحمد على باشا الذى جاء إلى مصر بعد إنتهاء الحقبة
المملوكية وقضى على المماليك فى مذبحة القلعة الشهيرة وبعد أن استقر الحكم قام بإنشاء الجيش المصرى ولأول مرة يكون المجندون من أبناء مصر والذى أحضر لهم أحد قادة الحملة الفرنسية ليقوم بتدريبهم فى أسوان وينشىء جيشاً قوياً كما عمل على تقوية الأسطول المصرى ولم يمنعه ذلك من الإهتمام بالزراعة والرى فأقام القناطر الخيرية التى كانت تعتبر فى ذلك الوقت من أكبر المشروعات المائية كما قام بتنظيم وتخطيط الكثير من الترع والمصارف وجعل التجارة الخارجية “تجارة القوافل” حكراً على الدولة كما قام بإرسال الحملات الخارجية وأشهرها حملة الجيش المصرى لتأديب الوهابيين فى أرض الحجاز ولم يتوقف عن الفتوحات الخارجية إلا بعد أن بدأت الدول الأوروبية تنتبه إلى المارد القادم من الشرق وتكاثرت عليه الدول الأوروبية وارغمته على تحديد عدد قوات الجيش وعدم الخروج خارج الحدود ومن سلالة “محمد على” ابنه “إبراهيم”
الذى كان قائداً عسكرياً فذاً وأولاه السلطة ولكن القدر لم يمهله وتوفى وعاد “محمد على” إلى الحكم، وهذه الشخصية جاء من صلبها أصحاب بصمات كثيرة مثل “الخديوى إسماعيل” الذى أعاد تخطيط القاهرة وأنشأ ما يطلق عليه الآن القاهرة الخديوية ورغم تورطه فى ديون كثيرة إلا أنه أول من نقل مركز الحكم من قلعة صلاح الدين إلى قصر عابدين ثم تتابعت القصور الملكية، ومن سلالته أيضاً “الخديوى عباس حلمى الثانى” صاحب الأيادى البيضاء فى التعليم والصحة والإدارة الحكيمة للبلاد مما جعل الإحتلال الإنجليزى يتخلص منه وكان “عباس الثانى” هو أخر الرجال المحترمين من سلالة الأسرة العلوية، هذا فى مجال السياسة والذى سنعود إليه لاحقاً.
وفى مجال الموسيقى والغناء نجد لدينا طيب الذكر “سيد درويش” والذى يندر أن يجود الزمان بمثله والذى كان يقاوم الإحتلال الإنجليزى بالألحان والأغانى والمسرحيات الوطنية، وفى المجال الدينى كان هناك “القمص سرجيوس” خطيب ثورة 1919 كما كان هناك “الشيخ على عبد الرازق” الذى حاول أن يضع النقاط الأساسية لتطوير الفهم الدينى وإبعاد الخرافات عنه.
وعندما نعود إلى السياسة فيما بعد الحرب العالمية الأولى وقيام ثورة 1919 للمطالبة بالإستقلال نجد العديد من الشخصيات السياسية التى لم ولن تتكرر مثل “سعد باشا زغلول – مكرم باشا عبيد – سينوت حنا – مصطفى باشا النحاس”، وفى مجال الأدب نجد من الشخصيات التى لن تتكرر “عميد الأدب العربى طه حسين – الأستاذ عباس محمود العقاد – توفيق الحكيم – أمير الشعراء أحمد شوقى – شاعر النيل حافظ إبراهيم”، وفى فن الغناء كان هناك خالدة الذكر “السيدة أم كلثوم” كذلك نجد “الأستاذ محمد عبد الوهاب – فريد الأطرش”، وفى المسرح كان هناك العمالقة “السيدة أمينة رزق – السيدة سميحة أيوب – السيدة سناء جميل” والأساتذة ” يوسف وهبى – عبد الله وحمدى غيث – زكى طليمات” وهذه مجرد نماذج والقائمة تطول وكل منهم يحتاج إلى كتاب للسيرة الذاتية ليكون نبراساً تتعلم منه الأجيال الحالية كيف كافحت كل شخصية من هذه الشخصيات بطريقة تتماشى مع المجال الذى برز فيه ليصبح علامة فى تاريخ مصر.
ولا يمكن أن أختم هذا المقال قبل أن أشير إلى الرجل الذى رحل عنا منذ أكثر من 50 عاماً والذى ترك بصمة فى كافة المجالات السياسية والإقتصادية والاجتماعية والتعليم والذى مجرد ذكر أسمه رغم رحيله منذ أكثر من نصف قرن يثير الرعب فيمن لا يدركون المعنى الحقيقى للوطنية وكيف أن الشعب بفطرته وبكافة أطيافه وحتى الشعوب فى الدول المحيطة وفى أفريقيا خرجت يوم وفاته فى مشهد رهيب لم يتكرر ولا أعتقد أنه سيتكرر على مر الزمان حتى أعداءه أصدروا الأوامر بتنكيس الأعلام مشاركة للشعوب المحبة له .. طبعاً أنا أقصد الزعيم الخالد الذى لن يتكرر “جمال عبد الناصر”.
وإلى لقاء آخر إن كان فى العمر بقية…