م . عباس محمود يكتب : عيد الأضحى على الجبهة

فى منتصف شهر فبراير عام 1969 وبإقتراب عيد الأضحى كانت تقابلنا مشكلة وهى أن جميع العاملين والغالبية الكبرى منهم من عمال التراحيل كانوا قادمين من الأقصر محافظة قنا فى ذلك الوقت أو من بعض بلاد محافظة المنيا وكان العمل يجرى على قدم وساق ونسارع الزمن لإنهاء المواقع الحساسة على الجبهة والمشكلة التى كانت تقابلنا فى ذلك الوقت هى أن أقل مدة يمكن للعامل أن يذهب إلى بلده لقضاء العيد والعودة هى سبعة أيام منهم يومان للذهاب والعودة وحالة العمل فى ذلك الوقت
وتلك الظروف لم تكن تسمح بتوقف الأعمال لهذه المدة الطويلة وبعد استعراض الموقف مع المدير العام “مهندس/ رمسيس ويصا” وبحضور رئيس العمال فى ذلك الوقت “الريس محمد العربى” وبعد مناقشات استمرت أكثر من خمسة أيام فى الوصول إلى حل مناسب توصلنا إلى أن يتم اختيار فرد من كل قرية للنزول فى أجازة العيد ويحمل معه أموال زملاءه المطلوب إرسالها إلى عائلاتهم وليطمئنهم على أحوالهم ويخبرهم بأن ظروف العمل لا تسمح بالاجازات فى الوقت الحالى وسوف يمنح كل فرد أجازة بعد العيد بالتتابع وكانت الأماكن على سبيل المثال من حول منطقة الأقصر هى ( قرية البياضية – قرية المدمود – قرية الحبيل – قرية الزينية – قرية الرضوانية )
وتم الاتفاق على أن تختار كل مجموعة المندوب الذى يسافر فى هذه المهمة وطلب منى “المهندس/ رمسيس” بصفته رئيسى فى العمل أن أحصل أنا أيضاً على أجازة فى العيد ورفضت تماماً حيث أننى كنت صاحب فكرة العمل فى أيام العيد فكيف أكون صاحب الفكرة ثم أحصل على أجازة وبعد مناقشة قصيرة اقتنع بوجهة نظرى وجاء موعد عيد الأضحى يوم 26/2/1969 وأرسلت قبلها بعدة أيام لإحضار ذبيحة “كبش كبير” ليتم ذبحها وعمل وليمة للعاملين المتواجدين وكان عددهم حوالى 120 عامل تقريباً بخلاف الفنيين والإداريين.
وفى صباح يوم العيد وبعد أداء صلاة العيد مع جميع العاملين بالموقع تم ذبح الأضحية وتجهيز اللحم للإفطار وعمل وجبة إفطار من اللحمة والفتة إلخ.. وفى حوالى الساعة العاشرة صباحاً حضر إلي رئيس العمال ليسألنى عن المطلوب إنجازه اليوم فأخبرته بأن يكون اليوم أجازة للعمال ونبدأ العمل صباح اليوم التالى فصاح غاضباً “أنت عايز الدنيا تتقلب علينا لو العمال ما اشتغلوش النهاردة ها يقعد كل واحد منهم يتذكر أسرته وأولاده وهو بعيد عنهم فى يوم العيد وتنقلب لمحزنة وده شيء طبيعى لازم النهاردة يكون يوم عمل كبير وشاق حتى يشعروا بأن العمل كان يحتاج إلى وجودهم فى هذه الأيام” واقتنعت بوجهة نظره وأنجزنا فى هذا اليوم ما يوازى ضعفين الإنتاج فى الأيام العادية وهكذا مضت أيام العيد فى عمل متواصل وأصبحت هذه عادة مستقرة بينى وبين العاملين معى طوال سنوات الاستنزاف حتى عيد الأضحى عام 1973
والذى كان موعده فى منتصف يناير ورغم تغير العمال والمواقع طوال هذه المدة كان أفراد الطاقم الذين يعملون معى يدركون هذه الحقيقة ولم يبدى أى منهم أى محاولة لتعديلها ورغم أننى طوال هذه السنوات الخمس لم أحصل على أجازة ولو ليوم واحد فى الأعياد وكذلك طقم الإداريين والفنيين معى إلا أننا لم نكن نشعر بأى غضاضة فى قضاء هذا العيد سنوياً معاً عوضاً عن عائلاتنا.والمراد هنا من سرد هذا الموقف هو توضيح معدن العامل المصرى البسيط والمواطن المصرى البسيط عندما يناديه الوطن.
ولا أنسى تحية أبناء قرى محافظة المنيا من مركز سمالوط ومركز مغاغة وغيرهم مما لا تسعفنى الذاكرة لذكرهم … تحية لعمال مصر المخلصين