مقالات ودراسات

م . عباس محمود يكتب : عروس البحر

فى نهاية عام 1969 تم تكليفى من شركتى “النيل العامة لإنشاء الطرق” و شركة المقاولون العرب – شركة مختار إبراهيم – شركة مصر لأعمال الأسمنت المسلح وذلك لعمل مجموعة من دشم الطائرات بمطار الغردقة وأربع قواعد صواريخ لحماية المطار ومنطقة الغردقة وما حولها ومجموعة دشم للرادار وكان من نصيب شركتى إنشاء عدد (2) دشمة صواريخ دفاع جوى لحماية المطار وكنا نعمل تحت إشراف المهندسين العسكريين التابعين للدفاع الجوى تحت رئاسة المقدم – فى ذلك الوقت – “فؤاد زكى واصف” وفى هذه السنوات كان كل محافظ هو الحاكم العسكرى فى نطاق محافظته وكان يعقد مؤتمراً أسبوعياً لمتابعة الموقف كما كان الفريق “محمد فوزى” يتلقى تقريراً يومياً بالتليفون من موقع حيث يقوم كل مسئول عن موقع معين فى تمام الساعة السابعة صباحاً بالإتصال عن طريق تليفون سرية المهندسين بالمطار وفى خط مباشر وعلى الخط الأخر يكون “الفريق فوزى” حيث يبلغه برقم كودى خاص بالموقع ثم ينقل إليه ملخص موقف التنفيذ بدقة تامة وذلك لأن موعد الإنتهاء من العمل محدد باليوم والساعة والدقيقة حيث أنه يتم تجهيز مظلة حماية من القوات الجوية أثناء نقل المعدات الخاصة بالدشم لحمايتها من غارات الأعداء، وفى إحدى الاجتماعات مع السيد المحافظ بصفته الحاكم العسكرى وعند إعطاء تمام كل موقع من مجموعة الشركات المكلفة بالتنفيذ وحين جاء دورى وأخبرته بأننا لدينا تأخير حوالى 12 ساعة لتأخر وصول كميات الأسمنت والحديد المطلوبة للتنفيذ وقام الزملاء من شركتى المقاولون العرب وشركة مختار إبراهيم بالإتفاق على أن يمدونى بالكميات المطلوبة لحين وصول إمدادات شركتنا ورغم ذلك قام السيد المحافظ بإبلاغى فى الاجتماع على مسمع من الجميع بأنه يتحدانى بأن أنجز العمل فى التوقيت المطلوب ولما رددت عليه بأننى سأنجز العمل فى الموعد المطلوب وبدون أى تأخير قال لى لو خلصت فى موعدك سوف أزيل تمثال عروس البحر “وهو تمثال ضخم أمام المحافظة يمثل رمز محافظة الغردقة” وسأضع لافتة ضخمة بأسمك فى نفس الميدان ولم أرد وأنتهى النقاش عند هذا الحد وكان سندى فى هذا الموقف أن شركتى هى الوحيدة على مستوى المحافظة التى خصصت لموقعنا سيارتين لنقل المياه العذبة من قنا إلى الموقع فى الغردقة حيث كان من الصعب الحصول على المياه العذبة حيث أنها كانت ترد لنا عن طريق ناقلات البترول التى تنقل البترول الناتج من حقول الغردقة ثم تعود بمياه عذبة ولكن للأسف كان طعم المياه لا يخلو من رائحة البترول الخام ولا يصلح بأى حال من الأحوال للإستخدام سواء فى تجهيز الطعام أو عمل أى مشروب آخر ولذلك كنت أخصص سيارة من السيارتين لتوزيع المياه على الزملاء فى الشركات الأخرى وعلى بعض قيادات المحافظة فى المرور والحكم المحلى والمناجم والمحاجر وكل من له علاقة بأعمالنا فى داخل مدينة الغردقة وكان هذا العمل يسهل لى الكثير من الأعمال داخل نطاق المحافظة.
وعند حلول موعد تسليم الموقع تم إنجاز العمل قبل الموعد بحوالى 90 دقيقة وفى الحال توجهت إلى مبنى المحافظة وصعدت إلى مكتب المحافظ ودخلت إليه وأنا مقطع الأنفاس وأبلغه بأننى أنجزت وكان باقى من الزمن حوالى 30 دقيقة وقلت له “لو مش مصدقنى تقدر توصل تشاهد بنفسك ما أقوله” فأبتسم لى قائلاً “أقعد خذ نفسك” وطلب لى عصير ليمون وبعد أن هدأت قليلاً أخبرته بأننى لن أسمح بهدم رمز المحافظة ولكن لى مطلب صغير وهو أن تخصص لى قطعة أرض بمساحة صغيرة لأقيم عليها منزل صغير يذكرنى بذكرياتى فى هذه المنطقة وقام سيادته بالإتصال برئيس المدينة وطلب منه الحضور وكان مجلس المدينة يقع على بعد حوالى 3كم من المحافظة وحضر رئيس المجلس وكان يعلم بالرهان ولما أبلغه السيد المحافظ بطلبى وأعطاه خطاب لتخصيص قطعة أرض فى حدود 150م فى منطقة شاليهات المحافظة واستأذنت منه وخرجت مع السيد رئيس مجلس المدينة وفى الطريق أبلغنى بأنه لا يوافق على إعطائى الأرض مجاناً حرصاً منه على أن يحافظ لى على الأرض وأخبرنى بأننى لو سددت مبلغ ولو رمزى من قيمة الأرض سأصبح مشترياً لها ولا يستطيع أحد بعد ذلك أن ينتزعها منى وفى النهاية سددت مبلغ عشرة جنيهات للمتر كثمن للشراء وأقمت عليها منزلاً صغيراً محاط بحديقة صغيرة وحافظت فى نفس الوقت على “عروس البحر”.
وهذه إحدى ذكريات ومواقف فى حرب الاستنزاف… وإلى لقاء قريب …..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »