مقالات ودراسات

م . عباس محمود يكتب : شعب ليس له كتالوج !

عندما أتذكر أيام حرب الاستنزاف يقفز إلى ذهنى سؤال هو أنه بالرغم من التفوق العسكرى والدعم الغير محدود الذى يحظى به العدو الإسرائيلى إلا أن الأعمال التى يقوم بها رجالنا فى القوات المسلحة على مختلف مستوياتهم تفوق بمراحل أعمال العدو الإسرائيلى الذى لم أرى منه ولو مرة واحدة ما ينم عن استعدادهم لمثل هذه الأعمال حتى ولو بدرجة أقل .

ظل هذا السؤال يطوف فى ذهنى على فترات متعددة حتى فوجئت بطاقة نورانية تضيء لى الطريق لتوضح الإجابة التى كنت أسعى إليها فنحن المصريين بمختلف عقائدهم وطوائفهم نؤمن بعقيدة الاستشهاد وتاريخ الكنيسة القبطية حافل بأسماء العديد من الشهداء حتى حرب 1967 وكذلك الشهداء من المسلمين وهذا هو مربط الفرس فالمصري يسعى إلى الموت طلباً للشهادة وهو الجزاء المناسب للحياة الآخرة فهو يسعى إلى الموت طمعاً فى الجائزة الكبرى ولا يخشى ولا يعتقد أن الموت هو نهاية الرحلة بل يؤمن بأنه انتقال إلى حياة جديدة أبدية خالية من كل المصاعب والشوائب على عكس أبناء صهيون الذين يخافون الموت لأنهم لا يعتقدون فى حياة أخرى ولا يؤمنون بها بل يكادوا يؤمنون أن الله سيعاقبهم بما فعلوه من قتل الأبرياء والتعدي على حرمة الله سبحانه وتعالى مما لا يجعل لديهم القدرة على مواجهة نهاية الحياة فى الدنيا وتلك العقيدة مغروسة فى أبناء مصر منذ أيام قدماء المصريين ويشهد على هذا الإيمان النقوش الموجودة على جدران المقابر والتى تؤكد وجود حساب وجزاء وعقاب لكل حسب أعماله وأن هناك حياة أخرى بعد الموت .

وتلك العقيدة المترسخة فى وجدان المصريين منذ آلاف السنين هى مفتاح الإجابة على السؤال المحير الذىفى مقدمة هذا الكلام وأكبر مثال على ما أقول عندما كان الجنود المصريين يواجهون بأجسادهم الدباباتالمحصنة ويطلقون أول طلقة على إحدى هذه الدبابات كان الصهاينة يغادرون الدبابات فى هلع خارجينرافعين أيديهم بالإستسلام وهذا الحدث تكرر أكثر من مرة وكذلك فى حالة مهاجمة المواقع الحصينة فى خطبرليف والمجهزة بكل سبل الراحة والدفاع كان مجرد إطلاق قنبلة يدوية ضعيفة التأثير على هذه الأماكنالحصينة يخرج أفراد الموقع مستسلمين مملوئين بالرعب متمسكين بالحياة والأمثلة كثيرة وأكتفى بهذاالقدر حتى أنتقل إلى سؤال أخر من الأسئلة المشروعة.

السؤال الثانى المحير هو أنه على مر التاريخ وبالتحديد التاريخ الحديث الذى لا يتجاوز مائتى عام فعندمايكون هناك حاكم مستبد أو يتعامل مع الشعب بأسلوب قاسى فنجد أنه عندما تتعرض البلاد لأى خطرخارجى عدوان أو محاولة غزو خارجى أو أى نوع من أنواع الأعتداء على الدولة فأن الشعب بكافة طوائفهالاجتماعية والثقافية والسياسية سواء أثرياء أو فقراء يلتفون حول الحاكم وذلك ليس تأييداً منهم لأسلوبحكمه ولكن لأنهم يؤمنون بأن هذه الأرض هى الدائمة وهى التى تستحق الدفاع عنها وأن الحاكم زائل وإنطالت مدة حكمه فكلنا إلى زوال.

السؤال الثالث وأتعشم أن يكون الأخير فى هذه الحلقة هو الطباع المدهشة للمصريين فى حالة تعرض أىمن الأفراد أو العائلات أو البلاد لمحنة ما تجد ألتفاف الأهل والجيران حول أصحاب المحنة فى محاولة للأخذبأيديهم ومعاونتهم على اجتياز الأزمة وأكبر مثال لذلك عندما يتوفى أحد أفراد الأسرة نجد أن الأسرةالمصابة لا تقوم بأى من الأعمال الاعتيادية وإنما يقوم الجيران وأهل المنطقة بتجهيز الطعام الكافى للأسرةوالمعزيين الذين يحضرون لتقديم واجب العزاء، وكذلك كما يقص علينا الأباء والأجداد أنه فى أيام الفيضانقبل بناء السدود والقناطر عندما تغرق مياه الفيضان إحدى القرى تبادر القرى المجاورة بإستضافة الذينتعرضت منازلهم وإيوائهم وتلبية كافة احتياجاتهم وهكذا فى جميع المجالات وفى أثناء هذه المحن ينسىالجميع أى حزازات أو خصومات سابقة.

والأسئلة كثيرة وعلامات الاستفهام تزيد ولكن القول الشائع عن المصريين أنهم شعب ليس له كتالوج وأنه مميز من أى شعب آخر فى أى مكان على الكرة الأرضية وإذا كان البعض يصف هذا بالشيفونية «الانحياز للوطن» فأنا فخور بمصريتى  وشيفونيتى.

وإلى لقاء عسى أن يكون قريباً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »