م . عباس محمود يكتب : رحلة الربع جنيه

رحلة الربع جنيه
فى بداية الستينات 1964 كنا مجموعة من الزملاء نقوم بطقس أسبوعى كل يوم خميس حيث نجتمع جميعاً ما يقرب من حوالى 20 فرد طالب وطالبة لنقضى سهرة الخميس معاً وكان مكان التجمع فى حوالى الساعة الخامسة بعد الظهر أمام سينما مترو بشارع طلعت حرب بوسط البلد وكل منا يحمل معه مبلغ لا يتجاوز الربع جنيه “خمسة وعشرون قرشاً”
وعند إكتمال العدد نذهب إلى مطعم “إكسيليسيور” الذى كان يشتهر بطبق المكرونة الفرن بالبشاميل وكنت أطلق على هذا الطبق – طبق مكرونة مقاس 48 – وذلك لكبر حجمه وكان سعر هذا الطبق 4 قروش وفى مواجهة هذا المحل كان هناك محل اسمه “زينة” وهو مطعم يمتلكه سوريين من الذين استوطنوا فى مصر وأخذوا جنسية الجمهورية العربية المتحدة ورفضوا العودة إلى سوريا بعد الإنفصال واستقروا فى مصر وكان هذا المطعم أول من قدم الشاورما المصنوعة بالطريقة السورية من اللحم البلدى وتقدم فى سندوتشات مستديرة “كيزر” والتى تمتلئ بشرائح اللحم ويضاف عليها الكثير من أنواع السلطات والتوابل وكان سعر السندوتش الواحد 2 قرش وكل منا يشترى عدد 2 سندوتش “شباب طبعاً ونفسنا مفتوحة والدنيا جميلة وطلبة هندسة فيه إيه أحسن من كده” وبعد هذه الوجبة الثقيلة نتوجه لحضور حفل السينما من الساعة السادسة
ونظراً لأننا طلبة هندسة نختار ما بين أربعة دور عرض سينما وهم سينما كايرو وهى تقع بالقرب من شارع عماد الدين ومتخصصة فى عرض أفلام “شركة فوكس للقرن العشرين” وسينما راديو والتى تقع فى شارع طلعت حرب بالقرب من الميدان وهى متخصصة فى عرض أفلام “شركة باراماونت” وسينما قصر النيل والتى تقع فى شارع قصر النيل بالقرب من ميدان التحرير وهى متخصصة فى عرض أفلام “شركة وارنر” وسينما مترو بشارع طلعت حرب بالقرب من من 26 يوليو وهى متخصصة فى عرض أفلام “شركة مترو جولدن ماير” وكنا نتبادل أسبوعياً هذه العروض حيث أن الفيلم يظل فى دار العرض لمدد قد تصل إلى ثمانية أسابيع إذا كان فيلماً ناجحاً مثل فيلم “صوت الموسيقى” أو أفلام “جيمس بوند”
وكانت تذكرة السينما بسعر 6 قروش لأننا بطبيعة الحال نجلس فى الصالة وكان أول ما نفعله عند تجمعنا فى الساعة الخامسة هو حجز تذاكر السينما المقرر الذهاب إليها حتى نكون فى أماكن متجاورة وبعد إنتهاء العرض نتوجه جميعاً إلى كافيتريا الآمريكين لنطلب أشهر ما يقدمه فى ذلك الوقت وهو كأس الآيس كريم المسمى “تروا بوتى كوشون” بمعنى “الثلاث خنازير الصغيرة” وهو كأس يتكون من مربى اللارنج يعلوه 3 كرات من الآيس كريم ومغطى بطبقة كثيفة من الكريمة المرصعة بقطع الفستق الطازة وكان سعر هذا الطبق 6 قروش -السعر الحالى 120 جنيه مع إختلاف الجودة – وإذا جمعنا ما تم صرفه فى هذه النزهة الأسبوعية فإن المبلغ لا يتجاوز العشرون قرشاً بالإضافة إلى المواصلات التى لا تتجاوز 3 قروش إذا فأن الرحلة لا تصل إلى خمسة وعشرون قرشاً شاملة العشاء والسينما وكافة ما سبق.
لا شك أن هذا يجعلنا نفتقد هذا الزمن الجميل الذى كان فيه قيمة القرش تعلو عن قيمة الجنيه فى الوقت الحالى.
وإلى اللقاء فى حدوتة أخرى من الزمن الجميل



