م.عباس محمود يكتب :ذكرياتي مع خط سكة حديد المعمورة / رشيد والصيادين

يواصل المهندس عباس محمود ذكرياته مع السكة الحديد عندما تم تكليفه بتطوير محطات خط المعمورة رشيد في نهاية التسعينيات.
خط المعمورة / رشيد هو أحد الخطوط الفرعية لهيئة السكة الحديد وقررت الهيئة ضمن خطة تطوير وتحديث المحطات القيام بتطوير هذا الخط والذى يمر على أكثر من 10 محطات صغيرة فرعية جميعها تمر على ساحل البحر الأبيض وتمتد من منطقة المعمورة شمال غرب الإسكندرية إلى مدينة رشيد. وبدأ العمل بأعمال التطوير عام 1995، و من أشهر هذه المحطات الصغيرة على إمتداد الخط العصافرة – المندرة – سيدى بشر – الطابية “وهى مدينة صغيرة أو قرية كان بها أحد الحصون البحرية المملوكية التى تهدمت بفعل العوامل الجوية والزمنية” – سماد أبو قير – المعدية “لوجود معدية بحرية تربط بين موقع هذه المحطة وباقى أماكن الساحل” – الأبعدية “وسميت بذلك لأنها كانت تتوسط أراضى زراعية مملوكة لأحد الاقطاعين وجزء كبير منها كان يخص الخاصة الملكية” – إدكو “كانت تطل على بحيرة إدكو ذات الثروة السمكية البحرية” – البصيلى – برج رشيد “كان يوجد بهذه القرية الصغيرة برج أثرى من أبراج المراقبة بالسواحل البحرية”
وعند معاينة هذه المحطات وجدنا أنها فى حالة سيئة جداً فمثلاً كان الكثير من الأرصفة متهدماً ولا توجد على هذه الأرصفة أى نوع من البلاط، وحالة الأبواب الخاصة بالمحطة كأبواب دورات المياه أو أبواب غرف الإنتظار للمسافرين لا تصلح أن يطلق عليها أبواب، وأما عن مظلات الأرصفة الخشبية فليست أفضل من حالة الأبواب ناهيك عن المرافق مثل دورات المياه والأحواض التى تكاد أن تكون منعدمة.
و كانت أماكن هذه المحطات الصغيرة تتميز بأن أغلبية السكان المحيطين بها من الصيادين الذين يتخذون حرفة الصيد مصدر رئيسى لهم، فمنهم من كان يعمل على قوارب صيد صغيرة خاصة به و آخرون كانوا يعملون لدى أصحاب مراكب الصيد الكبيرة التى تخرج طلباً للصيد فى رحلة قد تستغرق أكثر من عشرة أيام، أما باقى السكلن فكان جزء منهم يعملون فى الزراعة والباقى القليل يعملون فى مختلف الحرف أو الوظائف الحكومية المتاحة فى هذه الأماكن.
و قد استمر العمل فى هذه المحطات لمدة ما يقرب من 3 سنوات، و كان خط السكة الحديد يخدم كثير من العاملين فى الإسكندرية أو فى مدينة رشيد و الذين يقيمون فى هذه البلاد الصغيرة التى تقع على الخط. وكنا نضطر إلى احضار الكثير من الحرفيين مثل البنائين والنجارين و السباكين و عمال الكهرباء للإستعانة بهم فى هذه الأعمال لندرة وجود من يجيد هذه الحرف من سكان هذه الأماكن.
و مما خفف عنا أعباء العمل فى هذه المنطقة أن معظم السكان يتحلون بأخلاق الصيادين و التى من أهمها الصبر و الإيمان بأن الرزق من عند الله و التعاون فى العمل فيما بينهم مما سهل علينا الكثير من الأمور اليومية. وكان جهاز الإشراف على تنفيذ هذه الأعمال يتكون من 4 مهندسين منهم اثنان منتدبين من سكة حديد الإسكندرية واثنان من سكة حديد رشيد.
و طوال هذه السنوات الثلاث لا أذكر سوى أنه كنا جميعاً كأسرة واحدة نتبادل الرأى و نتخذ القرارات الصائبة معاً، و من الذكريات الجميلة لهذه العملية أننا استمتعنا بالكثير من الوجبات البحرية المختلفة سواء فى النوع أو أسلوب الطهى وطبعاً بأسعار تكاد تكون مجانية أو بصورة أدق بسعر التكلفة فقط. و كانت هذه الفترة من أفضل الفترات التى تم الاختلاط فيها بنوعية من البشر لا يعرفون سوى الحب و الود فيما بينهم والكرم مع الأخرين و لا تجد فيهم أى صفة غير حميدة. وعندما أنهينا العمل و تركنا المنطقة تركنا معها أجمل الذكريات.