م . عباس محمود يكتب : حكايات جدى ـ الحكاية السابعة درس فى التربية

عودة إلى حكايات جدى…..
أثناء دراستى فى المرحلة الثانوية حيث كنت طالباً بمدرسة الخديوية الثانوية بدأت – كنوع من إثبات الرجولة المبكرة – أن أمارس تدخين السجائر وفى بعض الأحيان كنت وزملائى نشترى من محل مشهور اسمه “مهنى” – والذى يقع فى مواجهة قسم شرطة الدرب الأحمر حالياً – زجاجة من البيرة وكان سعرها فى ذلك الوقت لا يتجاوز الستة قروش حيث نتقاسمها معاً وكان ذلك يحدث مرة أو مرتين فى الأسبوع .
وفى إحدى الأيام وعند عودتى إلى المنزل فوجئت بعمى الكبير يأخذنى جانباً ويقول لى “خلى بالك جدك عرف أنك بتشرب سجائر وبيرة” وبدأ يحكى لى أن أحد أصدقاء جدى ذهب إليه منذ حوالى شهر تقريباً وقال له “سى عباس – وأنا المقصود بهذا – بيدخن سجائر وبيشرب بيرة” فأجابه جدك “سوف أبحث هذا الموضوع” وبعد مرور أسبوع تقريباً عاد الرجل إليه وأخبره بأنك مازلت تدخن السجائر وتشرب البيرة فأجابه جدى “سوف أبحث الموضوع فوراً وأتصرف فى هذه المشكلة” وأكمل عمى بأن نفس الرجل حضر بالأمس وكرر نفس الكلام فنظر إليه جدى متسائلاً “هو أخذ منك كام” فأجاب الرجل منزعجاً “لأ ما أخدش منى حاجة” فسأله جدى “بتقول أنه شتمك وقال إيه؟” فأجاب الرجل منزعجاً “لأ.. لأ.. سى عباس مؤدب جداً ومتربى وعمره ما أخذ منى فلوس ولا شتمنى” واستطرد عمى قائلاً فصاح فيه جدك “لما هو لم يشتمك ولم يأخذ منك فلوس أنت عايز إيه منه أنا قلت لك ها أتصرف” وهنا تلعثم الرجل وغادر المكان مسرعاً وهو لا يعلم ماذا يقول أو يفعل، وأنا جئت أحذرك حتى تتهيأ لما سوف يفعله جدك.
مرت الأيام ولم ألاحظ أى تغيير فى المعاملة أو الأسلوب من طرف جدى كأن شيئاً لم يكن حتى جاء أول الشهر وكالعادة فوجئت بجدتى تخبرنى فى الصباح “مصروفك فى درج المكتب” ولما أخذته قبل الذهاب إلى المدرسة – وكان مصروفى المعتاد هو 3 جنيهات شهرياً – وجدت بالمظروف 5 جنيهات فأخبرت جدتى بأنى وجدت زيادة فى النقود فأجابتنى ” لا أدرى شيئاً ويمكنك سؤال جدك عند عودته”. وبعد عودتى من المدرسة ذهبت إلى جدى وأخبرته بأننى وجدت زيادة فى النقود فقال “أنا أعرف ده علشان مصاريف السجائر والبيرة” وقبل أن أفتح فمى لأرد عليه صرخ في قائلاً “ولا كلمة أنا لم أسألك عن شيء أنت سألتنى وأنا أجبت عن سؤالك فلا تجيب عما لم أسألك عنه لأنك إذا أجبت بالإيجاب ستكون عديم التربية وإذا أجبت بالنفى ستكون كاذب وأنا لا أريدك لا هذا ولا ذاك”.
لست بحاجة أن أؤكد أن هذا الموقف كان بداية لأمتنع تماماً عن التدخين أو خلافه حتى إنتهاء مرحلة الدراسة الجامعية.
رحم الله هذا الجد الحكيم الذى له كل الفضل فى تربيتى وتعليمى.
وإلى لقاء قريب إن كان فى العمر بقية ………..



