مقالات ودراسات

م . عباس محمود يكتب : حكايات جدى ـ الحكاية السادسة ـ تغيير مسار

الحكاية السادسة ـ تغيير مسار

فى عام 1961 كنت فى الثانوية العامة قسم علمى تخصص رياضة ولم أهتم كثيراً بالحصول على مجموع كبير لعدة أسباب أهمها أننى كنت أنوى الإلتحاق بكلية الحقوق وكانت دراستى للقسم العلمى حتى أكون على معرفة بمبادئ الرياضيات والكيمياء والفيزياء وخلافه وبطبيعة الحال كانت كلية الحقوق لا تحتاج إلى مجموع كبير، والسبب الثانى أن والدى كان من المعلمين مما يمنحنى فرصة للإلتحاق بالكلية بمجموع أقل من المجموع الطبيعى وبالفعل تم إلتحاقى بكلية الحقوق جامعة عين شمس وبدأت الدراسة وكان نظام الفصلين الدراسيين وكان الفصل الدراسى الأول عبارة عن دراسة مادة تاريخ القانون ومادة المدخل للعلوم القانونية ونجحت فى المادتين بتقدير جيد

وفى بداية الفصل الدراسى الثانى كنت مع بعض الزملاء نجلس فى كافيتريا الكلية وكان الهجوم من الجميع على هذه الكلية وأنا الوحيد المدافع عنها إلى أن صدمنى أحد الزملاء والذى كان يطلق على كلية الحقوق “أصطبل الجامعة” وقال لى “أنت تدافع عنها لأنك لم تستطع أن تدخل إحدى كليات القمة وده قصر ديل” وآلمتنى هذه الجملة فتوجهت إلى مسجل الكلية وطلبت منه أن أسحب أوراقى دون أن أفكر فى أى عواقب وكانت هذه اللحظة فارقة فى حياتى والتصرف الأهوج بدون أى تدبير أو حساب العواقب وأستلمت الأوراق فى أقل من ساعة وعند ذهابى إلى المنزل كان والدى كعادته جالساً يقرأ فى جريدة الأهرام ورحب بى عند دخولى قائلاً “أهلا يا متر” فأجبته “لا متر ولا ربع متر” ولوحت له بالمظروف الذى يحتوى على أوراقى قائلاً “أنا سحبت ورقى من الكلية” ولا يمكننى أن أصف التعبير الذى ظهر على وجهه ومقدار الدهشة التى اعتارته وهو لا يدرك كيف تم هذا وما هو الجرم الذى قمت بإرتكابه ولم استطع بطبيعة الحال أن أظل فى هذا الموقف فتوجهت مسرعاً إلى منزل جدى وهو الملاذ لى عند كل مصيبة أرتكبها وقابلتنى جدتى متسائلة عما جاء بى فى هذا الوقت وبطبيعة الحال لم أتمكن من قول الحقيقة وقلت لها أننى أكتشفت أننى لن أتمكن من إستكمال الدراسة فى كلية الحقوق لأن المواد صعبة جداً ولن استطع المضى فيها فأجابت ببساطة “طيب ليه سحبت ورقك كنت سيبه لغاية ما تشوف حل تانى” فقلت لها “ده اللى حصل علشان ما يبقاش فيه فرصة للتراجع” فنظرت إلى قائلة “أدخل أوضتك لغاية ما يجى جدك ويشوف حل فى الموضوع ده”

وكانت الدقائق تمر بثقل السنين إلى أن سمعت صوت جدى وبادرته جدتى وروت له بقدر ما أستطاعت أو بقدر ما فهمت منى ملخص ما حدث وكعادته أجابها “سوف نرى هذا الموضوع بعد الغذاء” ونادانى فتوجهت إليه وأنا أحاول أن أحدثه وأشرح له موقفى فأشار لى أن أصمت حتى ننتهى من تناول الغذاء وبعد الغذاء توجهنا إلى موقعنا المعتاد لمناقشة كافة المسائل وسألنى عما حدث وخاصة أن هذه الكلية كانت اختيارى وأخذت أشرح له أننى لم أكن أعلم عن مدى صعوبة هذه المواد وأن هذه الكلية تحتاج إلى طلاب تحفظ أكثر مما تفهم – طبعاً هذا كان دفاع ساذج ولكن كنت أحاول أن أبرر هذه الفعلة الغير منطقية – ونظر إلى جدى نظرة بها الكثير من العتاب وقال لى “أنا ها أتصرف بس لازم تعرف أنك غلطان” وقام بطلب والدى على التليفون وطلب منه الحضور ولم يخبره بالسبب وعند حضور والدى أخذ جدى المبادرة وبدأ الحديث متبنياًوجهة نظرى وكان اعتراض والدى على أننى قمت بسحب الأوراق دون أن أتركها لحين الوصول إلى حل للموقف فأجابه جدى بأننى فعلت ذلك حتى لا أجد وسيلة إلا إعادة السنة وتحسين المجموع والإلتحاق بإحدى الكليات العملية فاستطرد أبى بأننى أميل للنواحى الأدبية والشعر وكيف تحول هذا الميل إلى النواحى العلمية ونظر جدى إلى كل منا وقال موجهاً الكلام إلى أبى

“أسمع يا محمود لو أنا وأنت ماشيين فى شارع فؤاد – شارع 26 يوليو حالياً – وجعانين جداً والجو حر جداً ولقينا فى فترينة محل الآمريكين طبق أكل شكله يفتح النفس ومنظره مغرى جداً وقررنا ندخل وطلبنا الطبق ده وبدأنا ناكل وبعد معلقة والثانية شعرنا بأن طعمه سيء جداً بخلاف الشكل كنا نكمل ولا نسيبه ونطلب حاجة ثانية” نظر أبى إلى جدى وقال له “الرسالة وصلت” وبدأ الحديث فى إتخاذ مسار آخر حين سألنى والدى “ماذا تنوى أن تفعل” فأجبته “سوف أعيد الثانوية العامة ولو منازل” فأجابنى ممتعضاً “مفيش وقت وأخر موعد لتقديم استمارات الثانوية العامة هو هذا الأسبوع وهل أنت متأكد أنك تستطيع” فأجبته بكل ثقة “نعم وأتعهد أمام جدى بأننى سأحقق هدفى” وفى نهاية هذا الحوار كان شغلى الشاغل التركيز فى تحصيل ما يمكن تحصيله حتى أحقق هدفى من الإلتحاق بإحدى كليات القمة وأخذت أواصل التحرك فى كافة الإتجاهات دون اللجوء إلى أى دروس خصوصية علماً بأن الدروس الخصوصية لم تكن منتشرة فى ذلك الوقت.
وبإختصار استطعت النجاح والحصول على مجموع أهلنى لدخول كلية الهندسة خاصة وأنا أتمتع بنسبة إضافية لكونى من أبناء المعلمين.
وهكذا انتقلت من دراسة الحقوق التى استأنفتها بعد إنتهاء دراسة الهندسة.
ولهذا قصص أخرى قد يسمح الزمن بنشرها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »