د.أحمد الزلاط يكتب : شرق بورسعيد.. شريان اقتصادي جديد ومنصة لوجستية عالمية

في خطوة استراتيجية تُعيد رسم خريطة التجارة الدولية في شرق المتوسط، افتتح السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الأحد الماضي حزمة جديدة من الأرصفة البحرية في ميناء شرق بورسعيد، ضمن مشروع ضخم يستهدف تحويل الميناء إلى إحدى أكبر البوابات البحرية في العالم، ومحورًا رئيسيًا لسلاسل الإمداد العالمية بين الشرق والغرب.
هذه الأرصفة ليست مجرد توسعة في منشآت الميناء، بل هي — من منظور هندسي واقتصادي — نقلة نوعية في البنية التحتية للدولة المصرية، ورسالة واضحة بأن مصر تتحول بسرعة إلى مركز لوجستي وصناعي قادر على منافسة أكبر دول العالم.
أولًا: ما الذي تغير ؟.. مصر تمتلك واحدًا من أكبر الأرصفة في العالم
الأرصفة التي تم افتتاحها اليوم تُمثّل مرحلة جديدة في تطوير ميناء شرق بورسعيد، وتشمل:
زيادة طول الأرصفة التشغيلية إلى أكثر من 5 كيلومترات ، رفع الطاقة الاستيعابية للميناء إلى 7.5 مليون حاوية مكافئة سنويًا (TEU)، تعميق الغاطس إلى 18 مترًا لاستقبال السفن العملاقة، إضافة عشرات الرافعات الجسرية STS العملاقة القادرة على مناولة أكبر سفن الحاويات بالعالم (+23 ألف حاوية)، تطبيق منظومات تشغيل رقمية متكاملة تربط الميناء بكل مراحل سلسلة الإمداد.
هذه التوسعات تجعل ميناء شرق بورسعيد ضمن أفضل 10 موانئ في العالم في الجاهزية الهندسية لاستقبال السفن العملاقة.
ثانيًا: مصر تُنافس عالميًا…
المركز الثالث على العالم في كفاءة الموانئ ، فمؤشر أداء موانئ الحاويات (CPPI) الصادر عن البنك الدولي لعام 2024 وضع ميناء شرق بورسعيد في:المركز الأول إقليميًا وذلك بناءً على معايير تشمل: زمن انتظار السفن ، سرعة المناولة ،جاهزية البنية التحتية ، مستوى الرقمنة، ترابط الميناء مع شبكات النقل الإقليمي، هذا الترتيب لا يتحقق إلا لدول تمتلك قدرات لوجستية عملاقة، وهو يشير بوضوح إلى أن مصر أصبحت لاعبًا رئيسيًا في التجارة العالمية.

ثالثًا: الأهمية الاستراتيجية… لماذا شرق بورسعيد تحديدًا؟
يتميز الميناء بأنه يقع في أهم نقطة على خريطة التجارة الدولية ، فهو قناة السويس الشمالية ، على خط الملاحة الرئيسي آسيا – أوروبا ، وفي قلب الطريق البحري الذي تمرّ 12% عبره من تجارة العالم ، و 30% من حركة حاويات في العالم ، وأكثر من 23 ألف سفينة سنويًا، وهذا الموقع لا يمتلكه أي ميناء آخر في المنطقة، ما يمنحه ميزة تنافسية لا تُعوّض.
ومع افتتاح الأرصفة الجديدة، يتحول الميناء من “محطة حاويات” إلى محور عالمي Gateway Hub قادر على: إعادة التوزيع Transshipment، تقديم خدمات القيمة المضافة ، ربط الصناعات بالممر الملاحي العالمي ، وجذب الخطوط الملاحية الكبرى
رابعًا: التأثير الاقتصادي المباشر… أرقام تصنع الفارق
1) زيادة الطاقة التشغيلية للميناء ، فمن المتوقع أن تضيف الأرصفة الجديدة:
1.5 – 2 مليون حاوية سنويًا خلال 3 سنوات وزيادة الإنتاجية بنسبة 40%
2) زيادة إيرادات قناة السويس والمنطقة الاقتصادية
وتشير التقديرات إلى أن هذه التوسعات ستساهم في زيادة الإيرادات اللوجستية بمعدل 18–25% خلال 5 سنوات، رفع عوائد الخدمات البحرية والمناولة بنحو مليار دولار إضافي سنويًا عند التشغيل الكامل
3) خلق فرص عمل ضخمة
المشروع يخلق:12 ألف وظيفة مباشرة ، و40 ألف وظيفة غير مباشرة، ودعم آلاف الشركات في سلاسل الإمداد والنقل والتوريد
4) جذب استثمارات أجنبية ، من المتوقع أن تجذب المنطقة الاقتصادية استثمارات جديدة تتجاوز 15 مليار دولار في الصناعات اللوجستية والتحويلية، وتوسعًا كبيرًا في المناطق الصناعية شرق بورسعيد
خامسًا: الارتباط برؤية مصر 2030 وتحديث البنية التحتية للدولة
يتكامل تطوير الأرصفة الجديدة مع 4 محاور رئيسية في رؤية مصر:
1. اقتصاد تنافسي متنوع
2. بنية تحتية عالمية المستوى
3. زيادة الصادرات والمنافسة الدولية
4. تحويل مصر إلى مركز لوجستي عالمي
الأرصفة الجديدة ليست مشروع ميناء فقط، بل هي جزء من خريطة تنموية ضخمة تربط:
موانئ البحر المتوسط والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس والموانئ الجافة وشبكة الطرق (الدائري – محور 30 يونيو) ، وشبكة السكك الحديدية الجديدة ، محور السخنة – العلمين – الإسكندرية
سادسًا: رؤية هندسية واستراتيجية
افتتاح الأرصفة الجديدة هو إعلان دخول مصر إلى مرحلة جديدة من القوة اللوجستية. هذا المشروع لا يضيف إمكانيات للميناء فقط، بل يعيد صياغة الدور الإقليمي لمصر كقلب للتجارة العالمية.
فالأرصفة الجديدة تمنح شرق بورسعيد قدرة على استقبال أكبر السفن في العالم، وتُحوّل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس إلى منصة صناعية وتجارية متكاملة، قادرة على خلق قيمة مضافة تتجاوز النقل إلى الصناعة والتصدير والخدمات.
هذا هو الاستثمار الأكثر تأثيرًا في الاقتصاد المصري خلال العقد القادم، لأنه لا يخدم قطاعًا واحدًا، بل يدعم الصناعة، التجارة، الصادرات، والطاقة، ويربط مصر بممرات عالمية تمتد من الشرق الأقصى إلى أوروبا والولايات المتحدة.
سابعًا: لماذا يُعد هذا المشروع أهم خطوة اقتصادية في 2025؟
لأنه ببساطة يرفع مكانة مصر عالميًا ، يعزز قدرة الدولة على جذب الخطوط الملاحية العملاقة ، يضاعف الإيرادات ، يخلق فرص عمل ضخمة ، يدعم الصناعة والتجارة ، يُرسّخ دور قناة السويس كمركز للتجارة الدولية ، ويعيد تعريف مصر كقوة لوجستية إقليمية

ختامًا… مصر تُعلن للعالم: نحن هنا على طريق التجارة العالمية
افتتاح الأرصفة الجديدة ليس حدثًا عابرًا، بل هو إعادة توزيع لموازين القوة الاقتصادية في شرق المتوسط ، ومع هذا المشروع، تدخل مصر مرحلة جديدة تصبح فيها لاعبًا رئيسيًا في:
سلاسل الإمداد العالمية ، وممرات التجارة الدولية والخدمات اللوجستية والصناعية، و أسواق شرق المتوسط وإفريقيا وأوروبا.
إنه مشروع يؤكد أن الدولة المصرية تمتلك رؤية واضحة وإرادة حقيقية لتحقيق التنمية، وأن شرق بورسعيد أصبح اليوم أحد أهم نقاط الارتكاز في الاقتصاد المصري الحديث.
د. م أحمد الزلاط
عضو مجلس إدارة الشركة الوطنية للإنشاءات
رئيس مجلس إدارة شركة مصر العظمى للتنمية والاستثمار (جيديكو)


