مقالات ودراسات

إبراهيم طه.. يكتب: هل مصر تُطوي صفحة الاستيراد؟!

كنت في محادثة هاتفية مع صديقي الكاتب الصحفي خير راغب وسألني عن رؤيتي وتحليلي للعقد الاستراتيجي بين الهيئة العامة للموانئ البرية والجافة ومجموعة المنصور للسيارات، لإنشاء مصنع ضخم لتجميع السيارات بمدينة 6 أكتوبر، في إطار القرار الجمهوري رقم 402 لسنة 2025.

قلت لشخصه الكريم بكل صراحة أن هذا العقد هو أحد أكثر القرارات الاقتصادية تفاؤلاً في الفترة الأخيرة.. ولمَ لا؟! وهو يجسد نقلة نوعية حقيقية في فلسفة الدولة الاقتصادية.. ودعني أسرد لك لماذا أرى هذا المشروعبمثابة نقلة استراتيجية وليس مجرد قرارات ورقية، بل تحول استراتيجي عميق يلامس جذور الاقتصادالوطني، حيث تلتقي إرادة الدولة بثقة المستثمرين، لكتابة فصل جديد من فصول النهضة الاقتصادية.

رؤية استشرافية لاقتصاد المستقبل

يمثل المشروعالذي يستثمر 135 مليون يورو في مرحلته الأولىنموذجاً للرؤية الاقتصادية المتكاملة،حيث يجمع بين توطين التكنولوجيا المتطورة، وخلق فرص العمل، وتعزيز الصادرات، وبناء قاعدة صناعيةرصينة.. إنه ترجمة عملية لشعار صنع في مصر بمعناه الحقيقي.

محاور التحول الاستراتيجي

يقوم هذا الصرح الصناعي على أربعة أركان استراتيجية:

توطين المعرفة بهدف نقل تكنولوجيا السيارات الكهربائية وتدريب الكوادر المصرية على أحدث التقنيات.

والتكامل الإقليمي بغرض الاستفادة من الموانئ الجافة لتعزيز الموقع اللوجستي لمصر كمنصة تصديريةإقليمية.

وخلق القيمة المضافة وبالتالي بناء منظومة صناعية مغذية متكاملة تخفض فاتورة الاستيراد.

والتميز الزمني، ويعني تنفيذ المشروع خلال 12 شهراً فقط، في سابقة تعكس كفاءة الأداء.

مع الرئيس مبارك وتوطين صناعة السيارات

أبعاد الرؤية الوطنية

يتجاوز هذا المصنع كونه منشأة إنتاجية، ليكون نواة لتحول صناعي نوعي في مجال السيارات الكهربائية،وجسراً لاستقدام ماركات عالمية وشراكات إستراتيجية جديدة، ومحفزاً لاستثمارات مضاعفة في البنيةالتحتية والخدمات اللوجستية، وتعزيزاً للمكانة الإقليمية لمصر في خريطة الصناعات المتطورة.

استشراف آفاق المستقبل

في ظل التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية، تضع مصر قدمها بقوة في هذا المجال الواعد، مؤكدةقدرتها على اللحاق بركب الثورة الصناعية الرابعة.. فهذا المشروع يمهد الطريق لمصر لتصبح مركزاً إقليمياًلصناعة السيارات الكهربائية، في تحول استراتيجي يعيد إحياء الدور الريادي للصناعة المصرية، ومنوجهة نظري إنه أكثر من مجرد منشأة إنتاجية.. هو بيان عملي بإرادة التغيير، وشاهد على تحول مصر مناقتصاد استهلاكي إلى اقتصاد إنتاجي قائم على المعرفة والتكنولوجيا، ويحمل في طياته وعوداً بمستقبلاقتصادي أكثر إشراقاً للأجيال القادمة.

واسمحوا لي بصفتي صحفيًا أتابع بعناية فائقة تحولات المشهد الاستثماري في مصر، أقول بكل وضوح:نموذج مجموعة المنصور أصبح اليوم النموذج المعياري المرجعي للاستثمار الجاد والفعّال، فهذا المشروعيمثل نموذج الجدوى الاقتصادية الشاملة الذي يجسّد أقصى استفادة من المزايا النسبية التنافسية لمصر،حيث حوّل الموقع الجغرافي إلى مركز لوجستي، واليد العاملة إلى كفاءات تكنولوجية، والسوق المحلية إلىمنصة انطلاق إقليمية.

نعم.. إنه استثمار مضاعف الأثر بامتياز، ولا يقتصر على العائد المالي المباشر فحسب، بل يخلق شبكة قيمةمضافة موسعة تمتد من توفير فرص العمل إلى تنمية الصناعات المغذية، مرورًا بنقل المعرفة وتوطينالتقنية.. وهو تجسيد حي لاستراتيجية الاستثمار في رأس المال البشري والتكنولوجي كأفضل وسيلةلتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.

فعليا، أثبتت مجموعة المنصور أن البيئة الاستثمارية في مصر تشهد تحولاً نوعيًا، مدعومة بإرادة سياسيةحقيقية لإزالة المعوقات، وإصلاحات هيكلية جريئة، وبنية تحتية متطورة.. فالاستثمار هنا لم يعد مجردمغامرة، بل أصبح شراكة استراتيجية لتحقيق التكامل بين رأس المال الخاص ورؤية الدولة التنموية.

بهدوء أوجه رسالتي إلى المستثمرين الجادين: اللحظة مناسبة، والبيئة مواتية، والنموذج موجود ومثبتالنجاح.. ومصر اليوم تقدم فرصًا ذات عائد استثماري عالٍ ومخاطر محسوبة في قطاعات استراتيجية واعدةمثل الطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والتصنيع المتطور، والاقتصاد الأخضر، والقيادة واضحة، والرؤيةمحددة، والأدوات متاحة.. إنها فرصتكم التاريخية للانضمام إلى ركب الاستثمارات التأسيسية التي لا تبنىأرباحًا فحسب، بل تَبني اقتصاداتٍ بأكملها.. المستقبل يُصنع اليوم، ومصر تدعوكم ليكونوا شركاء فيصناعته.. فهل من مجيب؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »