مقالات ودراسات

إبراهيم طه يكتب : من الإسكندرية إلى 2030: حوار الصناعة يرسم مستقبل مصر

في صباح مشمس بمحافظة الإسكندرية، استقبل مقر المحافظة الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، في لقاء جمع نخبة من المستثمرين الصناعيين بحضور المحافظ الفريق أحمد خالد.

اجتمع الوزير، بقلبٍ مفتوح وعقلٍ مصغٍ، مع رجال ونساء الصناعة، أولئك الذين تقوم على أكتافهم أحلام مصر الإنتاجية.. إنهم ليسوا مجرد «مستثمرين»، بل هم شركاء في الرؤية، حاملو هموم التصنيع، وبناة المستقبل.

والسؤال الافتتاحي.. لماذا عروس البحر المتوسط، الإسكندرية؟!

ببساطة الإجابة: وصل عدد المصانع المنتجة في محافظة الإسكندرية إلى 1493 مصنعًا، وفقًا لتقرير رسمي صادر عن المحافظة، نُشر في جريدة المال بتاريخ 12 مارس 2024.

وتمتد هذه المصانع على مساحة 92.5 مليون متر مربع، موزعة عبر 9 مناطق صناعية رئيسية تشمل المنشية الجديدة، مجمع الصناعات الصغيرة، أم زغيو، النهضة الصناعية، مرغم الصناعية، الناصرية، السفن اب، برج العرب، والمنطقة الحرة. تتنوع الصناعات في الإسكندرية لتشمل الغزل والنسيج والصباغة، البتروكيماويات، الغاز الطبيعي، الحديد والصلب، الورق والطباعة، الأسمنت، الصناعات الغذائية، والأسمدة.

كما تتجه المحافظة لتطوير مشروعات صناعية متوسطة ومغذية مثل منتجات البترول، الأثاث، البلاستيك، الكيماويات، المواسير، وصناعات التعبئة والتغليف، لدعم الصناعات القائمة.

ويعزى هذا التنوع إلى الموقع الاستراتيجي للمدينة وتوافر المقومات الأساسية، مما جعل الإسكندرية رائدة في الصناعات الصغيرة، التي تسهم في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الاقتصاد المحلي.

 

من جديد، ربما يأتي في رأسك سؤال بديهي، لماذا هذا اللقاء مختلف؟

الإجابة: لأنه خطوة استراتيجية تجسد رؤية مصر 2030، حيث تتحول الأحلام الصناعية إلى واقع ملموس على أرض الواقع.. ولأنه يخبرنا أن الاستراتيجيات الناجحة لا تُصمم في الغرف المغلقة، بل تُناقش في الميدان. لأن القيادة الحقيقية لا تنتظر أن تأتيها المشاكل، بل تذهب هي إليها. إنها استراتيجية الأمل الفعّال، حيث يكون الحل نابعًا من فهم الواقع، ومن الاستماع إلى صانعٍ يعاني من تحدي، أو مبتكرٍ يعوقه إجراء.

هذا هو التجسيد العملي لروح رؤية مصر 2030، تحول مصر إلى مركز صناعي إقليمي
«Regional Industrial Hub»، لا يعتمد على النموذج التسلطي « Top-Down Approach»، بل يقوم على شراكة تشاركية القاعدة إلى القمة
«Bottom-Up Partnership» ونهج تشاركي «Participatory Approach»
بعيدًا عن كوني صحفي محترف، توقفت لحظة لأنظر إلى لقاء الفريق كامل الوزير مع مستثمري الإسكندرية بعين خبير الجودة، الشغوف بتطوير الأعمال.

هذا اللقاء لم يكن مجرد اجتماع، بل نموذج حي للقيادة الاستراتيجية والحوكمة الرشيدة، يعكس بقوة طموحات رؤية مصر 2030، حيث تتحول الأفكار إلى خطوات ملموسة تدفع عجلة التنمية الصناعية.

محافظ الإسكندرية_كامل الوزير

فمن المكاتب إلى خطوط الإنتاج: نهج جديد للقيادة تخيّل قائدًا يترك مكتبه الفاخر ويتوجه إلى قلب المصانع، يستمع إلى أصوات العمال، يراقب تدفق الإنتاج، ويشارك المستثمرين همومهم.. وهذا هو جوهر نهج «Gemba Walk»، أو «الذهاب إلى الموقع»، الذي يعتمده الوزير كامل الوزير بدلاً من انتظار تقارير مكتبية، يذهب إلى المستثمرين مباشرة، يناقش تحدياتهم، ويبحث عن حلول فورية.. هذا النهج الاستباقي ليس مجرد إدارة أزمات، بل استثمار في بناء ثقة وشراكة طويلة الأمد.

حوكمة تشاركية والقيادة القائمة على التواصل المباشر «Participative Governance & Leadership»: صوت المستثمر في قلب القرار في عالم كثيرًا ما يعاني من البيروقراطية، يمثل هذا اللقاء نقلة نوعية.. بدلاً من قرارات تُفرض من الأعلى، يفتح الوزير باب الحوار مع أصحاب المصلحة، مما يعزز الحوكمة التشاركية.
هذا التوجه يتماشى مع رؤية مصر 2030 التي تسعى لخلق بيئة أعمال تنافسية وشفافة، حيث يصبح صوت المستثمر جزءًا لا يتجزأ من عملية صنع القرار.

تخيل مصنعًا يعاني من تأخر في التراخيص أو نقص في المواد الخام، والآن يجد أمامه وزيرًا يستمع ويعمل على حل المشكلة فورًا.

هذا هو الفرق.. لامركزية ذكية وتمكين المحافظات «Decentralization & Local Empowerment»: الإسكندرية مركزًا للصناعة اختيار الإسكندرية لعقد هذا اللقاء لم يكن عشوائيًا.. المدينة، التي تُعد عروس البحر المتوسط، تمثل قلب الصناعة المصرية، بموانئها الحيوية ومصانعها النابضة بالحياة.
من خلال إشراك المحافظ والمستثمرين المحليين، يرسل هذا اللقاء رسالة قوية: التنمية الصناعية لن تقتصر على القاهرة، بل ستمتد إلى كل ركن في مصر.
هذا النهج يعزز اللامركزية، وهي ركيزة أساسية في رؤية 2030، لضمان توزيع عادل للتنمية وتخفيف الضغط على العاصمة.

بناء الثقة وتغيير ثقافة العمل «Building Trust & Changing Culture»: من المواجهة إلى الشراكة تخيل مستثمرًا كان يرى الحكومة كعقبة، والآن يجد نفسه في جلسة حوار مفتوح مع نائب رئيس الوزراء.. هذا التغيير في ثقافة العمل من المواجهة إلى الشراكة هو جوهر نجاح هذه اللقاءات.
الثقة التي يزرعها هذا النهج ليست مجرد شعور، بل أساس لجذب استثمارات جديدة، محلية وأجنبية، وهو ما يدعم هدف رؤية 2030 في بناء مجتمع متكافل يشارك فيه الجميع في التنمية.

التكرار والتعلم المستمر «Iterative Process & Continuous Learning»: لقاءات ليست لمرة واحدة ما يميز هذا اللقاء أنه جزء من سلسلة مستمرة تهدف إلى التعلم والتحسين. كل زيارة للوزير هي فرصة لجمع بيانات جديدة، فهم التحديات بشكل أعمق، وتطوير حلول أكثر فعالية.. وهذا النهج المنهجي يعكس روح الابتكار والتحسين المستمر التي تسعى رؤية 2030 إلى ترسيخها، ممهدًا الطريق لتحقيق تنمية مستدامة.

يا سادة.. نحو مركز صناعي إقليمي لقاء الإسكندرية ليس مجرد حدث عابر، بل نموذج مصغر لاستراتيجية تنموية شاملة.. إنه تجسيد حي لرؤية مصر 2030، حيث تتحول الأهداف الكبرى إلى خطوات ملموسة. من خلال الشراكة، الحوار، والحلول المبتكرة، تضع مصر أسسًا متينة لتصبح مركزًا صناعيًا إقليميًا رائدًا.

والسؤال: كيف يمكننا جميعًا، حكومة ومستثمرين ومجتمع، أن نسهم في تعزيز هذا المسار؟

الإجابة تبدأ من نموذج الإسكندرية الذي يشكل نقطة تحول استراتيجية في ثقافة العمل الوطني، وتمتد كحلقة متصلة لتشمل كل ركن في مصر. هذا المسار لا يقتصر على جهة واحدة، بل هو مشروع تعاوني تكاملي يتطلب مشاركة كل الأطراف:
وسيكون الحديث هنا عن دور الحكومة – من المنظم إلى الشريك المحفز
• تعميم نموذج الحوكمة التشاركية: تطبيق نموذج Gemba Walk في كل المحافظات، وتحويله إلى آلية مؤسسية دائمة.
• تبني سياسات مرنة: تحويل التحديات إلى حزم تحفيزية تستجيب لخصوصية كل منطقة صناعية.
• بناء منصات ذكية: إنشاء منظومة رقمية متكاملة لتلقي الملاحظات ومتابعة الحلول بشكل شفاف.

أما دور المستثمرين – من مستلمين أو المُتلقِّين إلى شركاء فاعلين وأقصد هنا:

• التحول من الاستثمار التقليدي إلى الاستثمار المسؤول: تبني مبادرات المسؤولية المجتمعية التي تخدم البيئة المحلية.
• المشاركة الاستباقية: تقديم مقترحات قابلة للتطوير وليس فقط الإبلاغ عن المشكلات.
• بناء تحالفات صناعية: إنشاء Clusters أو التجمعات / العناقيد الصناعية هي مجموعات من الشركات والمؤسسات المتخصصة في مجال صناعي أو خدمي واحد، تتواجد في منطقة جغرافية محددة، وتتعاون فيما بينها لتعزيز إنتاجيتها وابتكارها ولتعظيم القيمة المضافة وتبادل الخبرات.

ونأتي إلى دور المجتمع – من المتفرج إلى شريك في الرقابة والدعم واقصد هنا:
• الرقابة المجتمعية الذكية: استخدام أدوات التقييم بالمؤشرات لمتابعة أداء المنشآت الصناعية.
• تعزيز ثقافة الإنتاج: دعم المنتج المحلي كجزء من الهوية الوطنية.
• إعداد الكوادر المؤهلة: توأمة المؤسسات التعليمية مع المصانع برامج التدريب التطبيقية.
• النسيج المتكامل: نجاح هذا المسار الذهبي يعتمد على التكامل بين مكونات نموذج التعاون الثلاثي أو الشراكة ثلاثية الأقطاب التي تضمن نجاح المسار التنموي:
• الحكومة تقدم البنية التحتية والتشريعات المحفزة
• المستثمرون يضمنون الجودة والإنتاجية
• المجتمع يوفر الرقابة والدعم والكوادر البشرية

وطبقا لرؤيتي الشاملة: ما فعله المهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل عمل رائع يُدرس، والإسكندرية ليست نقطة نهاية، بل هي نموذج أولي لـعقد اجتماعي تنموي جديد حيث تصبح كل محافظة مركز إشعاع تنموي خاص بها، ضمن الاستراتيجية القومية الموحدة.. هذه ليست مجرد دعوة للمشاركة، بل هي استراتيجية تحويلية شاملة تضع كل فرد في مصر في موقع الفاعل الرئيسي في صناعة مستقبلها الصناعي، حيث تتحول الرؤية إلى واقع ملموس من خلال شراكة أفقية رأسية تتكامل فيها كل الأدوار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »