مقالات ودراسات

إبراهيم طه.. يكتب: «تحيا مصر 1».. قاطرة دمياط للعالمية

«تحيا مصر 1».. قاطرة دمياط للعالمية

بعين المُحب الواثق في غده كنت أقف بين حقول وسط الدلتا الخضراء التي تتنفس تاريخاً، أرقب الأفق وأحلم كأحد أبناء هذا المكان الطيب  ، فأنا الحافظ لجغرافية محافظات «الغربية» و«الدقهلية» و«دمياط» كخطوط كفي، كنتُ أتمنى أن تمتد يد العمران إلى شراييننا الحيوية، ليس مجرد ترميم عابر، بل رؤية شاملة تعيد لهذا المثلث الذهبي بريقه..

نعم.. كنا نمني النفس بأن نرى التطور يخرج من مركزية العاصمة ليعانق هدوء أريافنا ومدننا الساحلية، يسري في عروق الوطن بثباتٍ وهدوء الواثقين، ودون صخب، وبأثرٍ راسخ يلمسه المواطن في يومه وغده.

واليوم، وأنا أطالع مشهد الرافعات العملاقة تعانق سماء دمياط، وأرى الممر اللوجيستي يربط قلب طنطا برئة مصر البحرية، أدرك يقيناً أن الحلم لم يعد طيفاً بعيداً.

صدقا، إن ما يحدث الآن من تطوير لميناء دمياط ومشروع «تحيا مصر 1» ليس مجرد صب للخرسانة أو تركيب للمعدات؛ إنه تجسيد حي لرؤية وطنية عاقلة وناضجة، أدركت أن نهضة مصر الحقيقية تبدأ من تكامل أطرافها.. إنه الوعد الذي قطعته الإدارة السياسية ونراه يتحقق في 2025؛ يدٌ تبني في صمت، وعينٌ ترعى المستقبل، لتصبح الدلتا -كما كانت دوماً- قاطرة الخير لهذا الوطن العظيم.

وسط سيمفونية البناء التي تعزفها مصر في كل شبر من أرضها، لا تهدأ سواعد الرجال في وزارة النقل عن تسطير فصول جديدة من المجد، مسابقين الزمن لترجمة الرؤية السياسية إلى واقع ملموس من خلال مشروعات عملاقة تشكيل خارطة النقل البحري في المنطقة.

ويبرز مشروع محطة حاويات «تحيا مصر 1» بميناء دمياط كدرة تاج هذه المشروعات، ليعكس طموح الدولة المصرية في التحول إلى مركز إقليمي وعالمي للنقل واللوجستيات وتجارة الترانزيت، محققاً بذلك مستهدفات رؤية مصر 2030 الطموحة.

تحالفات عالمية تعكس الثقة في الاقتصاد المصري

يؤكد سير العمل في المحطة على نجاح الدبلوماسية الاقتصادية للدولة في جذب كبريات الكيانات العالمية؛ حيث تتسارع حالياً أعمال البنية الفوقية التي تنفذها شركة «دمياط أليانس».
هذا التحالف الاستراتيجي الذي يضم عمالقة النقل البحري، ممثلين في «يوروجيت» الألمانية، و«كونتشيب» الإيطالية، والخط الملاحي العالمي «هاباج لويد»، يعد شهادة ثقة دولية في مناخ الاستثمار المصري، وبرهاناً على نجاح خطة الوزارة في توطين صناعة النقل البحري عبر شراكات تضمن أعلى معايير الجودة والتشغيل.

عمالقة التكنولوجيا ترسو على أرصفة دمياط

على ضفاف المتوسط، وفي مشهد مهيب يسر الناظرين، تغيرت ملامح الأفق بميناء دمياط حين اصطفت 12 من العمالقة الجدد؛ أوناش رصيف فائقة التطور صنعتها شركة «HHMC» الصينية، لتعلن بدء عصر جديد من الحداثة.

هذه القلاع الفولاذية لم تأتِ مجرد معدات، بل جاءت بمواصفات قياسية تتحدث لغة المستقبل؛ فهي تشمخ بارتفاع يصل إلى57.5 مترًا، وكأنها حراس أشداء على بوابة مصر الشمالية، وتمد أذرعها الحديدية بطول 72 مترًا لتعانق أعرض السفن العالمية، قادرةً على رفع أحمال ثقيلة تزن 75 طنًا بكل اقتدار.. إنها ليست مجرد أرقام، بل هي وثيقة اعتماد تضع موانئنا المصرية في مصاف الموانئ الذكية، وتضمن سرعة وكفاءة تليق بمكانة مصر في قلب التجارة العالمية.

منظومة أمان ذكية وتكامل رقمي

لا يقتصر التطوير على ضخامة المعدات فحسب، بل يمتد ليشمل الذكاء الاصطناعي وأنظمة الأمان المتطورة؛ حيث زودت الأوناش الجديدة بحساسات وكاميرات دقيقة ونظم حماية متكاملة لضمان سلامة الأفراد والمعدات.
وتتكامل هذه التكنولوجيا مع أنظمة إدارة الموانئ الذكية، مما يتيح تتبعاً لحظياً للعمليات وتنسيقاً فائقاً بين كافة أقسام التشغيل، وهو ما يقلل زمن انتظار السفن ويرفع من تنافسية الميناء أمام الخطوط الملاحية العالمية.

موانئ خضراء لمستقبل مستدام

تجسيداً لالتزام مصر بالمعايير البيئية العالمية ورؤية التنمية المستدامة، استقبلت المحطة 40 ونش ساحة كهربائي «RTG» لتداول الحاويات بالساحات الخلفية.
ويعكس هذا التوجه حرص الدولة على التحول نحو «الموانئ الخضراء» من خلال الاعتماد على معدات صديقة للبيئة تخفض من انبعاثات الكربون، وتضمن كفاءة استهلاك الطاقة، مما يوازن بين التطور الاقتصادي والحفاظ على البيئة للأجيال القادمة.

شريان لوجستي متكامل يربط الدلتا بالعالم

تتجاوز أهمية المحطة كونها مشروعاً منفرداً، فهي حجر الزاوية في «الممر اللوجيستي المتكامل» «طنطا – المنصورة – دمياط».
هذا الممر الاستراتيجي يربط بين المنطقة اللوجيستية بطنطا، وخط السكك الحديدية، والميناء الجاف بدمياط الجديدة، وصولاً إلى ميناء دمياط البحري.
وبهذا التكامل، تمتلك مصر بنية تحتية بطاقة استيعابية هائلة تشمل أرصفة بطول 1970 متراً وعمق 18 متراً، وساحات تداول تصل إلى 922 ألف متر مربع، قادرة على تداول 3.5 مليون حاوية مكافئة سنوياً.

ركيزة أساسية للجمهورية الجديدة

يا سادة.. تمثل محطة «تحيا مصر 1» نقلة نوعية تعزز السيادة الاقتصادية لمصر، حيث ترفع قدرتها على استقبال السفن العملاقة وتدعم مكانتها كمركز محوري في حوض البحر المتوسط والشرق الأوسط.
وبحسب تحليلي لأهداف ورؤية المشروع فهو ليس مجرد إضافة رقمية للطاقة الاستيعابية، بل هو تجسيد لإرادة سياسية واعية تدرك أهمية الموقع الجغرافي لمصر، وتعمل بدأب لتعظيم العوائد الاقتصادية منه، جاعلة من قطاع النقل البحري قاطرة حقيقية للتنمية الشاملة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »