إبراهيم طه.. يكتب «السخنة»: بوابة مصر للسيادة اللوجستية

تخيل أن الإرادة تلتقي بالمكان في لحظة مصيرية، إرادة سياسية صلبة كالجبل، وموقع جغرافي هو هبة التاريخ.. لقاء لا يتكرر إلا مرة واحدة في العمر.. في هذه اللحظة بالضبط، يولد الحلم.. ليس حلماً عادياً يلوح في الخيال، بل مشروعاً عملاقاً ينبض بالحياة على أرض الواقع، يحمل اسم «ميناء العين السخنة».. إنه ليس مجرد ميناء، بل نبض جديد في شرايين مصر، وقلب ينبض بالحياة على شاطئ البحر الأحمر،يضخ دماء جديدة في جسد التجارة العالمية.. إنه «محور لوجستي عالمي» يكتب لمصر اسمها بأحرف مننور على خريطة العالم.
بتنفيذ من وزارة النقل، وبرؤية توازي رؤية 2030، يصبح هذا الميناء هو الحجر الأول في صرح حلم كبير.. حلم تحويل مصر من أمة تمر منها السفن، إلى أمة تبني بها المستقبل.. من دولة معبر، إلى قطب استقطاب.. من حلم يروى بالكلمات، إلى حقيقة تبنى بالإرادة والعمل.. هنا.. على أرض السخنة، تكتب مصر فصلهاالجديد في ملحمة صعودها.
الموقع والرؤية الاستراتيجية.. لماذا هنا؟ ولماذا الآن؟

يتمتع ميناء السخنة بموقع استراتيجي فريد على مدخل قناة السويس الجنوبي عند البحر الأحمر، مما يجعله نقطة الوصل الطبيعية بين ثلاث قارات: آسيا وأوروبا وأفريقيا.. الموقع ليس محض صدفة، بل هواختيار استراتيجي يعكس رؤية ثاقبة.
فالرؤية الأوسع للمشروع، كما أوضحت وزارة النقل، تتجاوز فكرة الميناء المنعزل. فهو يُعد أحد المكوناتالرئيسية للممر اللوجستي «السخنة / الدخيلة»، الذي يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط.. وهذا يعني أنهلن يعمل بمعزل عن الموانئ الأخرى، بل سيتكامل معها – مثل ميناء شرق بورسعيد – لإنشاء «شريانلوجستي متكامل» يضاعف من كفاءة وقيمة التجارة العابرة لمصر، محولاً إياها من دولة معبر إلى مركزتحكم وتوزيع.
مواصفات عملاقة.. هندسة تتحدى المستقبل
الأبعاد الهائلة لهذا المشروع هي ما تؤهله ليكون أكبر ميناء على البحر الأحمر وفقاً للتصريحات الرسمية.. وبتخطيط يضاهي أحدث الموانئ العالمية، تتلخص مواصفاته الفنية في:
• مساحة إجمالية: تبلغ 29 كيلومتراً مربعاً، وهي مساحة شاسعة توفر مرونة غير مسبوقة.
• الأرصفة والأعماق: يشمل التطوير إنشاء 5 أحواض جديدة و18 كيلومتراً من الأرصفة البحرية بعمق 18 متراً، مما يسمح باستقبال أكبر السفن في العالم.
• ساحات التداول والمناطق اللوجستية: تصل مساحة ساحات تداول البضائع إلى 9.2 مليون متر مربع،بالإضافة إلى مناطق لوجستية متخصصة بمساحة 5.2 كم²، مصممة لدعم أنشطة التخزين والتوزيعوالتصنيع الخفيف.
• شبكة طرق وسكك حديدية داخلية: يشمل المشروع شبكة طرق داخلية بطول 17 كم من الخرسانة، وشبكةسكك حديدية داخلية بطول 30 كم، مما يضمن انسيابية حركة البضائع داخل الميناء.
الأثر الاقتصادي والتنموي.. عائد استثماري وطني غير مسبوق

الاستثمار في هذا الصرح العملاق ليس استثماراً في البنية التحتية فحسب، بل هو استثمار في مستقبل الاقتصاد المصري، حيث يتوقع أن يحقق الأثر الاقتصادي على عدة محاور:
• خلق فرص العمل: سيولد المشروع آلاف الفرص الوظيفية المباشرة وغير المباشرة، خلال مراحل الإنشاءوالتشغيل، مما يساهم في خفض معدلات البطالة وضخ دماء جديدة في سوق العمل.
• مغناطيس للاستثمارات: التعاون مع أكبر التحالفات العالمية، مثل تحالف «هاتشيسون» لإدارة محطةالحاويات، يرسل رسالة طمأنة للمستثمرين العالميين. المناطق اللوجستية الشاسعة ستجذب استثماراتضخمة في قطاعات التجميع، التصنيع، والتخزين.
• دعم الصادرات والاحتياطي النقدي: سيقلل الميناء من تكاليف وتوقيت شحن البضائع المصرية، مما يعززقدرتها التنافسية في الأسواق العالمية. عائدات الخدمات اللوجستية وشحن الترانزيت ستدعم بشكل مباشرزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر.
التكامل مع شبكة النقل القومية.. الشريان الحيوي
لا يعمل الميناء ككيان منفصل، بل هو حلقة في سلسلة النقل القومية الطموحة.. فهو:
• مربط بري: يتكامل مع شبكة الطرق القومية مثل الطريق الدائري الإقليمي.
• مربط سككي: يتم ربطه بشبكة السكك الحديدية القومية من خلال شبكة داخلية بطول 30 كم، متصلةبخط القطار الكهربائي السريع، مما يضمن نقل البضائع بكفاءة وسرعة عبر ربوع الجمهورية.
مستقبل التجارة في قبضة مصر
من حقي كمواطن محب لبلادي اقول: ميناء العين السخنة ليس مجرد مشروع إنشائي ضخم، بل هو إعلان دخول مصر عصراً جديداً من السيادة الاقتصادية واللوجستية فمن خلال هذا الصرح لم تعد مصر مجرد دولة تمر من خلالها سفن التجارة العالمية، بل أصبحت شريكاً فاعلاً ومركزاً للتحكم والتوزيع، وهذا هو التجسيد الأمثل لرؤية القيادة السياسية وتحويل التحديات إلى فرص، ليصنع مستقبلاً أكثر إشراقاً للأجيال القادمة، وهذه هي المحروسة القوية الطموحة، التي تبنى بسواعد أبنائها حاضرًا ومستقبلاً أكثر إشراقاً.
مقالات مرتبطة،،